ويعرف الصبي في المدرسة بحدة ذكائه بقدر ما يعرف بإهماله وانصرافه عن دروسه، ويسمع منه معلموه عبارات يبدو بها أكبر من سنه ويدهشهم منه قراءته الخارجية التي لن يبلغ نصيبه منها عشرة من أقرانه مجتمعين، وكان شغفه بالشرق عظيماً فقرأ قصص ألف ليلة وليلة وألم بقدر كبير من تاريخ أمم الشرق، وفي مقدمتهم الترك، كانت أمه على قصر ذات يدها لا تضن عليه بما يطلب من الكتب، فكان يعد ذلك من أكبر حسناتها إن كان ثمة لها غير هذه من الحسنات
وعرف شاعر الغد بحدة عاطفته وتمرده على القوانين والأوضاع الرتيبة، وعرف كذلك باستعداده للنضال والهجوم إذا استفزه إلى ذلك أحد. عاد إلى منزله ذات يوم يلهث وفي وجهه آثار معركة، فأجاب على تساؤل خادمته عن هذا بأنه تربص بغلام كان أهانه فتوعده حتى وقع عليه في الطريق فأذاقه من بطشه وأتم حديثه قائلاً:(وكيف لا انفذ ما توعدته به؟ ألست بيروني النسب)؟
واستقرت في أعماق نفسه الصغيرة مناظر اسكتلندرة برواسيها الشامخات التي تجلل رؤوسها الثلوج وتعلو بعض قممها على السحاب، وكانت هذه الأجرام التي تجلل رؤوسها الثلوج وتعلو بعض فقممها على السحاب، وكانت هذه الأجرام الهائلة تهز نفسه وتستميله أكثر مما تفعل الزهور والرياض وأشباهها من مناظر الطبيعة الهادئة الوديعة. . .
وتفتح قلب الصبي للحب وهو في الثامنة، فقد رأى في إحدى جولاته مع أمه ابنة أحد الفلاحين فأحبها حتى ما يطيق أن يفارقها؛ ولما فارقها على رغمه كانت تجيش نفسه وهو في تلك السن بمعاني الوجد والحنين. . . على أنه ما لبث وهو في التاسعة أن هام بابنة عم له هياماً استأثر بلبه، فما يفكر إلا فيها وما يرى حسناً يقاس إلى حسنها، وإنه ليحس إذا جالسها بما يملأ قلبه من معاني الوداعة واللين واللطف حتى لينسى عنفه وحدته أتم النسيان، ولا يزعجه إلا خجله من عرجه، وكم يتمنى أن لم تكن العاهة التي يعظم خجله منها أمام ابنة عمه ماري أكثر مما يعظم تلقاء غيرها من الناس. . .
وكانت أمه توقن في قرارة نفسها أن أبنها سيكون رجلاً عظيماً في غده. ولعل مرد ذلك ما تتمناه الأمهات عادة لأبنائهن، ولعل مرده إلى ما أخذته من عرافة ريفية نبأتها بما سيكون