فهل نطمع في أن يضم إليه بضعة علماء يقفون جهودهم على ترجمة علوم أوربا إلى اللغة العربية؟
وفي مصر - يا مولاي - علماء أقعدهم النسيان عن العمل ومنعهم الخجل عن السؤال، وعزَّ عليهم أن يهينوا العلم باستجداء العطف.
أنطمع - يا مولاي - أن تفيض عليهم من فضلك الواسع ما يسدُّ حاجتهم من حطام الدنيا، ليكونوا نواةً لبيت الحكمة في عهدك، فيتركوا للأجيال القادمة آثاراً لا يبزها من حيث الأثر في العالم العربي إلاّ عظمتك، ولا يفوقها في الجلال إلاّ جلالتك؟)
وكل أديب وعالم مفكر في العالم العربي يضم صوته إلى صوت (إسماعيل) في هذه الضراعة النبيلة إلى (وارث مُلك مصر، ومجد العرب) ويستيقن في قلبه أن (الفاروق) سيحمي العلم والأدب بحماية ملكية ترفع عنه الظلم والاستعباد، وتحرر العلماء والأباء من غطرسة الأدعياء المتشدقين بقليل العلم ومنقوص الأدب، مما أطاقوه وحملوه بفضل الرحلة إلى أوربا بضع سنين، تزودوا فيها بالمعاشرة والمخالطة - لا بالدرس والمثابرة - بعض ما جهله أصحاب الفضل والعلم والأدب من قومهم لقعودهم بالضرورة والعجز عن مثل الذي ساروا إليه، وهم بالعلم والأدب أقوم، وعليه أحرص، وطبائعهم إليه أشد انبعاثاً
الشباب والسياسة
في يوم الخميس السالف (٤ يناير سنة ١٩٤٠) ألقى بهي الدين بركات باشا محاضرة عظيمة القدر فيها معنى (السياسة) وحق (الشباب) في المساهمة في أصولها وفروعها، ودافع عن حرية الشباب في أن يهتم (بالعمل العام الذي يتصل في وقت من الأوقات بتيسير دفة الحكم في البلاد). وهذا هو تعريف السياسة عنده؛ وبذلك يخرج منها النزاع الحزبي الذي شهدته السياسة المصرية خاصة، على وجه من التنابذ والتعادي والتسفيه والاعتداء على حرية الفرد وحرية الجماعة. فإذا أخرج هذا الضرب من معنى السياسة أوجب العقل أن يكون لكل أحد الحق في أن يشارك أصحاب الرأي في آرائهم، بل إن الشعور بالحرية الفطرية توجب عليه أن يشارك بالرأي وأن يضِّحي في سبيل المبدأ الوطني العام الذي لا تقوم الدولة إلا بقيام معانيه في أعمال الأفراد والجماعات، وقد ناقش المحاضر جماعة من الأستاذة ولكنهم في مناقشتهم كانوا لا يزالون متأثرين بالمعنى