وينبغي لكاتب هذا الباب الجديد في (الرسالة) أن يرفع القلم عند هذا القدر الآن، ويعود إليه بالتفصيل والبيان فيما يستقبل
معهد الصحراء بيت الحكمة
كتب صديقي (إسماعيل مظهر) - في مقتطف يناير سنة ١٩٤٠ - كلمة بليغة يصف فيها (رهين المحبسين) محِبس الصحراء، ومَحْبس النسيان، وهو معهد الصحراء القائم على مشارف الصحراء المترامية، في (مصر الجيدة)، وقد شيده (الأسد المصريُّ) الملك فؤاد رحمة الله عليه من ماله خاصة، ليكون مأوى للعلماء الذين يدرسون طبائع الصحراء ومعادنها وأجوائها، ولكنه لم يتم بناؤه لما عرض من مرض الملك العالم ثم وفاته على شدة الحاجة إلى جرأته وإخلاصه وعزمه، وإنفاذ هذا العزم بالبصيرة والحكمة والمثابرة
وكنت كلما صحبت أخي (إسماعيل) لبعض الرياضة، تهاوينا إلى البيداء المقفرة الصامتة بأحزانها الحائرة، وسرنا نتقاود في جوفها فترمي بنا أرجلنا شامخ قد أقعى على ربوة من الأرض كأنما يتجمّع للوثبة، ومع ذلك فأكاد أجد في سمعي بيان هذا الأعجم الصموت، وهو يهمهم بأنَّاته من ذُلّ الوحشة والأسر والنسيان والخراب، فأنشد (إسماعيل) قول الرضيّ:
ولقد رأيتُ (بدْير هِنْدِ) منزلاً ... أَلِماً من الضَّرَّاءِ والحَدَثانِ
أغضى كمستَمِعِ الهوانِ، تغيَّبَتْ ... أنصارُهُ وخلا من الأعوانِ
وكان هذا البناء المسكين همةً من همم الملك النبيل رحمه الله. ولقد سمعت أنه قد أحاطه بما يزيد على عشرة أفدنه ليقوم فيها، وفي منتزهاتها، وليؤدي أهله إلى صحراء مصر المجهولة حقَّها من الدرس والكشف والاستنباط
هذا، وقد ضرع (إسماعيل) إلى خليفة (فؤاد) في ملكه وعلمه وعزمه وبصيرته، إلى (الفاروق) صاحب مصر الأعلى وحاميها وهاديها إلى الخير، أن يُتمّ ما بدأ الملك الأول من البناء، وأن يعيد لملكه الزاهر تاريخ العرب والعربية في عصر المأمون الذي أنشأ (بيت الحكمة)، وجعله مستقر النقلة من العلماء الذين استوعبوا نقل حكمة (يونان) إلى اللسان العربي؛ فأسسوا للعلم ملكاً لم يطاوله في العصور إلا عظمة المأمون. . . قال:
(ومعهد الصحراء - يا مولاي - عظيم الإرجاءْ اتساع العقل الخالد الذي فكر في إنشائه،