قبل ومن بعد أكرم يداً منه بما يملك!
وترادفت الأعوام، ولم يتزوج صديقي. . . ولم تتزوج صاحبته!
أتراها كانت تعلم من خبره ما أعلم؟ ومن أين لها؟. . . أن لصاحبي من الكبرياء ما يمنعه أن يلتمس إليها الوسيلة بعد ما كان. . . وإن. . . وأن الخطاب لتزدحم أقدامهم على بابها فما تعرف كم ردّت بالخيبة والخذلان!
أم تراها تعرف أسمه؟. . . هذا الذي لا تذكر من صفاته - إن ذكرتْ - إلا أنه شاب يبلغ دخله في الشهر اثني عشر جنيهاً، بعث إليها مرة يخطبها فردّته. . . وكم في خدمة الدولة من شبان يبلغ دخلهم ما يبلغ دخله؛ وحسبه هذا تعريفاً بين آلاف من النكرات!
ولكن صديقي اليوم في منصب رفيع. لقد سماه به جده وعمله إلى ما لم يبلغ أحد من نظرائه! أتراه يوازن اليوم بين ماضيه وحاضره؟
لقد مضى منذ تلك الليلة التي زارني فيها صديقي زيارته خمس عشرة سنة!
ياه. . .! ما أسرع ما تمرّ السنون!. . . أين أنا اليوم مما كنت يومئذ؟
لقد كنت يومئذ فتىً في باكر الشباب، ولم يجر حدّ الموسى على عارضه بعد؛ وأنني اليوم لزوجٌ وأب، وإن في رأسي لشعرات بيضاً ما أن يخفيها ميل الطربوش ولا صنعة الحلاق!. . .
وصديقي لم يزل عزباً. . . صديقي الذي كان يخشى أن تفوته سن الزواج، منذ خمس عشرة سنة!
أين هو اليوم؟ وأين حاضره وماضيه؟
لقد ضربت بيني وبينه ضربات الدهر فلم ألقه منذ أعوام. وددت لو أعرف من خبره!
وخرجت أمس من داري على ميعاد. فأني لفي طريقي إذ لقيته! يا للحظ!
وأقبلت عليه وأقبل عليّ؛ وهممت أن أسأله حين بادرني بقوله: (إنني أدعوك بعد غد إلى داري. . . . . .)
- تدعوني؟. . .
- نعم، لقد اتفقنا أن يكون الزفاف بعد غد!
- بمن؟