- وهل حسبتني أرضى يوماً أن لي بها كلَّ متاع الدنيا!
إنها هي. . . لقد ضرب القدر بيننا موعداً فلم يخلفه. إن لكل شئ أوانه!
. . . وكما جلس صديقي مني مجلسه ذات مساء، منذ خمس عشرة سنة ليحدثني بخبره - كان مجلسه الليلة مني. . .
وكان في عينيه غير البريق، ولصوته لحن ورنين، وفي عينيه دموع؛ وكانت الكلمات ترتعش على شفتيه؛ لأن فيها نبضات قلب حي. وصعّدت نظري إليه؛ فرأيت في فوديه شعرات سوداء في شعر أبيض، كأنما كانت لتشير إلى أنه مازال هنا بقية من شباب.
ومضى صديقي في حديثه. . .
(. . . ولم يعد إليها رسولي منذ كان ما كان؛ وما عرفت أسمي ولا جاءها خبر من خبري بعد؛ وكأنما كان يدخرها لي القدر، فلم تتزوج، وأرتد الخطاب جميعاً عن بابها مخذولين، وآن الأوان. . . . . .
(هل جاءك يا صديقي أن مرتبي اليوم في الحكومة ثلاثون جنيهاً في الشهر، غير ما أكسب من أعمالي الخاصة؟. . . . . . . . .
وبعثت إليها رسولاً آخر يؤامرها للمرة الثانية. . .)
وضحك صديقي ضحكة مرحة، ثم عاد يقول:
- أتذكر ليلة جلست إليك أحدثك مثل حديث الليلة، منذ. . . منذ كم. . .؟
(. . . وقالت للرسول وقال لها؛ ثم سألته: وكم دخل صاحبك في الشهر؟ فأجابها. . . وكان القدر قد هيأ أسبابه، فأجابت. . . وزرتها من بعد، وتم الاتفاق!)
قلت لصاحبي:
- فهل عرفت هي أنك أنت أنت،. . . هل عرفت أنك سعيت لخطبتها مرة منذ خمس عشرة سنة فردتك؟
فقال:
(وماذا يعنيني، عرفت أو لم تعرف؟ حسبي إنها اليوم لي؛ وأن ما أرادته قد كان!)
ووجد المسكين تعبير رؤياه بعد خمس عشرة سنة من عمر الشباب، ووجدت تعبير أمانيها. وباعت المسكينة شبابها وشبابه بثمن بخس، حين تأبتْ عليه، ومعه حرارة الشباب ونضارة