ومنها ما سماه:(تجافياً عن أسلوب الكتاب) وما أكثر الأسماء لديه وأقربها إلى قلمه! وذلك أنه رأى عبارة من عبارات الكتاب مختتمة بكلمة: (تجدُّها) وبعدها عبارة أخرى مختتمة بكلمة: (تمدُّها)
هكذا ضبط المصححان الفاضلان هاتين الكلمتين
وقد رأى حضرة الناقد أن الأفضل في ضبط الكلمة الأخيرة (تُمِدها) بضم التاء وكسر الميم، معللاً ذلك بأن الازدواج الذي ألتزمه المؤلف في كتابه لا يتم إلا بالتوافق التام بين (تجدُّها) و (تمدها) في جميع الحركات
ولو تفضل حضرته فألم إلماماً يسيراً بقواعد السجع والازدواج في فن البديع، لرأى أنهما يتمان على أكمل وجه وأحسنه بدون هذا التطابق الدقيق في جميع الحركات والحروف، والتزام الدقة في ذلك يعدُّ من لزوم ما لا يلزم، إذ السجع في هاتين العبارتين تام لا عيب فيه وأن لم يتطابق اللفظان في جميع الحركات
على أن المؤلف لم يلتزم في جميع كتابه تلك الدقة في الازدواج والسجع، بل أن كثيراً ما يكتفي باتفاق أواخر العبارات في الوزن وإن لم تتفق في الحروف، بل قد يغفل الازدواج والسجع إغفالاً تاماً
ومنها ما سماه:(تركا للغامض على حاله من الغموض والإبهام) وقد أورد من ذلك عبارة ذكرها التوحيدي في معرض الحديث عن صيانة النفس والقناعة وصعوبتهما على الإنسان، وشدة احتمالهما، والمشقة الشديدة في التخلق بهما، فقال ما نصه:(وصيانة النفس حسنة إلا أنها كلفة محرجةٌ إن لم تكن لها أداةٌ تجدّها، وفاشيةٌ تمدُّها، وترك خدمة السلطان غير الممكن، ولا يستطاع إلا بدين متين) ألخ. وقد خفي على الناقد الفاضل معنى قوله:(وترك خدمة السلطان غير الممكن) ألخ، فألح في السؤال عما يريد المؤلف بهذه العبارة، وهي عبارة في غاية الوضوح والبيان لا تحتاج إلى توضيح؛ وتوضيح الواضح أكثر مشقة من توضيح الخفي المبهم
يريد المؤلف بهذه العبارة أن صيانة النفس وإعزازها عن مواطن المذلة للملوك والأمراء والعزوف عن خدمتهم، كل ذلك غير ممكن، لما تقتضيه ضرورات العيش وحاجات الحياة؛