يستلهمها سذاجة الشعر قانعاً بما تعطيه من بديهي المعاني دون ما يمكن أن يكون خلف ذلك من رمز بعيد
وما كان لجراي وتلك طبيعته أن ينصرف عن آداب روما وأتينا ونفوس منشئيها في غضاضة نفسه يوم ابتسمت الإنسانية ابتسامة الطفل توقظه من مهده رقة الصباح. . . نعم ابتسمت الإنسانية فملأت الطبيعة بخيالها الضاحك، وإذا بعرائس الشعر ترقص في كل مكان، وإذا بعذب الأساطير يوقع نغمات ذلك الرقص
هامت نفس (جراي) في هذا العالم المسحور فطرب لآثارهم أيما طرب وود أن لو كان من عشيرتهم فقال الشعر باليونانية وباللاتينية، حتى لأحسب هذا الطرب قد بلغ في نفسه مبلغ الشهوة، ونحن في ذلك لا نتجنى عليه مادمنا نؤمن أن نفساً لا تعرف الشهوة لا يمكن إلا أن تعقم إن لم تتحطم
وأنفق جراي حياته بغير زواج ولا ولد بين جدران كمبردج يستمع إليها تقص من أنباء الماضي أجمل القصص، واطردت حياته على تلك الوتيرة حتى دلف إلى سكون الموت
عاشر جراي هومير وفرجيل، فرقت نفسه، ونزعت إلى المثل الأعلى نزوع الطبع المصقول. واتفقت له أثناء ذلك رحلات رأى فيها من جلال الطبيعة ما يسمو بالقلوب قدر ما يلهب الخيال. وكلنا يذكر كيف قاد روسو تلميذه إلى قمم الجبال ليهديه السبيل إلى ربه
أتى (جراي) إلى الألب بفرنسا وحط رحاله إلى جوار (جرينوبل) حيث يقوم معبد الرهبان المتوثقين
هنالك تنهض الجبال عاتية وقد كستها الغابات يرتفع إليها البصر فيعود محملاً بأعمق الآيات ترددها النفس بذكر الله. هنالك يملأ القلب شعور ديني بتفاهة الحياة وإذا بنا نود أن لو استحلنا إلى مثل دمعة عيسى التي زعم الشعراء أنها استحالت إلى ملاك رحمة وسعت رحابه كل نفس حتى نفس إبليس. هنالك يستقر في الحواس إحساس بالجمال يتمثل صوراً تأخذ النفس كارهة أو راضية إلى حيث تلتمس أطيب المثُل. وما غفل جراي عن شئ من هذا، ففي خطاباته لصديقه لكل ذلك أجمل الذكرى
وخالس (جراي) الزمن مرة أخرى فانطلق إلى حيث تنتثر البحيرات الصغيرة بين الجبال فيما يشبه قبلات العذارى على وجه السديم، انطلق إلى إيقوسيا حيث السكون الرهيب لا