بالمرتفعات - كان يستلقي ماداً كل جسمه تحت أشعة الظهيرة ثم يطيل النظر إلى الجداول تخر بجواره.
٢٧ - طوراً يهيم بتلك الغابات وعلى شفتيه ابتسامة السخرية وقد أخذ يردد أحلام الطريق، وطوراً ينطلق في سبيله مقوس الظهر شاحب اللون من البؤس كمن تخلى عنه أحبابه أو ذهبت بعقله الهموم أو حطم نفسه حب عاثر
٢٨ - وفي ذات صباح تفقدته فلم أجده لا على التل المعهود ولا على حافة البراري ولا إلى جذع شجرته المحبوبة، وجاء صباح آخر فما وجدته إلى جانب الجداول ولا بقمة التل بل ولا بالغابة.
٢٩ - وفي اليوم التالي رأيناه محمولاً في طريقه إلى (القبر في حفل الموت وأناشيد الغناء تصحبه. أدن واقرأ (مادمت تستطيع القراءة) تلك المرثية المنقوشة على الحجر تحت أشواك هذه الشجرة العتيقة):
ما على القبر
١ - تحت هذه الأرض يرقد في راحته الأخيرة شاب جهله المجد كما جهلته الحظوظ. كان نصيبه من العلم نصيباً متزناً بينما وسمته الأحزان بميسمها
٢ - واسعةً كانت طيبةُ قلبه، ومخلصة كانت نفسه، وبقدر تلك الطيبة وذلك الإخلاص كافأته السماء
لقد جاد على البؤساء بكل ما يملك، وما كان يملك إلا دمعة. أنالته السماء كل ما تمنى، وكل ما تمناه كان صديقاً
٣ - لا تحاول أن تفض الغلاف عن حسناته، أو أن توقظ سيئاته من مكمنها المخيف. فقد اجتمعت الحسنات إلى السيئات متساوية في أمل مضطرب مفزع: أمل من أوى إلى أحضان أبيه، أحضان ربه
ولو علم (جراي) يوم أن كتب تلك المرثية الخالدة أنها ستفتح له أبواب المجد إلى الأزل لعلم أن فتاه ما كان للمجد أو للحظوظ أن تنساه، وفي نفسه هذا المزيج العجيب من قوة الفكر وروعة التصور ورقة العاطفة
تلك الرقة التي حملته على أن يحصر كل ما يتمنى أن تهبه السماء في صديق. وفي الحق