فاعترض الخوارزمي قائلاً: الكُنُود: قلة الخير لا الكفران. فأنكر الجميع ذلك وقالوا: أما قرأت قوله تعالى: (إن الإنسان لربه لكَنود) أي لكفور
فحمىَ الخوارزمي وقال: أنا اكتسبت بفضلي ديَةَ أهل همذان فما الذي اكتسبت أنت بفضلك؟ فقال البديع: أنت في حرفة الكُدْية احذق، وبالاستماحة أحرى وأخلق، وأما ما لُك فعندي يهودي يماثلك في مذهبه ويزيدك بذهبه. ثم مال على مغن فقال: أسمعنا خيرا، ً فغنى:
وشبّهنا بنفسج عارضيْه=بقايا اللطم في الخد الرقيق
فقال الخوارزمي: أنا أحفظ هذه القصيدة، وهو لا يعرفها. فقال البديع: أخطأت، فإن البيت على غير هذه الصيغة وهي:
وشبّهنا بنفسج عارضيه ... بقايا الوشم في الوجه الصفيق
فقال الخوارزمي: والله لأصفعنّك ولو بعد حين!
فرد البديع. أنا أصفعك اليوم وتضربني غداً، اليوم خمر، وغداً أمر! ثم تمثل بقول ابن الرومي:
رأيت شيخاً سفيها ... يقوق كل سفيهِ
وقد أصاب شبيها ... له وفوق الشبيه
وقفّي على ذلك منشداً:
وأنزلني طولُ النوى دارَ غربةٍ ... إذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكلُه
أحامِقُه حتى يقال: سجيّة ... ولو كان ذا عقل لكنت أُعاقله
ومازال الجدل محتدماً بينهما حتى ضجر الحضور، ورنق الكرى في عيونهم، فتقوّض المجلس، ونام الناس - كعادتهم - في ضيافات نيسابور، ثم انتشروا في الصباح وقد تشعبت آراؤهم في الحكم على الرجلين، تبعاً لاختلاف ميولهم وأهوائهم. وقد شق على جماعة من الفضلاء أن يبلغ الشقاق بين الرجلين هذا الحد الممقوت! فسعوا في إصلاح ذات البين، وحملوا البديع على طلب المصافاة، وهو دليل على أن العدوان بدر منه، فمشى إلى الخوارزمي معتذراً يقول: بعد الكدر صفو، وبعد الغيم صحو!
وأبى كرم الخوارزمي إلا أن يقبل عذره، وزاد على ذلك فدعاه إلى أن يقضي عنده سحابة