هذه. ففي سنة ١٧٧٢ فرغ من وضع مسرحية اسمها (برليخنجن) تعتبر في تأثرها بمسرحيات (شكسبير) من بواكر النزعة الرومانتيكية في المسرح الأوربي. ولقد كان لها بهذا الوصف حظ ملحوظ من النجاح. كما كان (جوته) قد كتب في ذلك الحين كثيراً من أروع شعر صباه. يضاف إلى ذلك أنه كان موضع الالتفات إلى جمال قسماته، وإلي ذكائه اللماح، ومظهره الممتاز. غير أن أباه، وكان رجلاً محافظاً شديد القسوة، أراده على أن يرسم لنفسه طريق الكسب في حياته. ومن ثَمَّ رحل ليتم دراسته القانونية في جامعة (ويتزلر). وكانت هذه المدينة حينذاك مقر المحكمة الإمبراطورية في ألمانيا؛ وفيها أحب (جوته) فتاة كانت قد خطبت قبل أن تعترض سبيل حياته إلى رجل آخر. ومنذ بدأ هذا الحب، بدأت فصول قصة (الآم فرتر) التي احتلت مكانها الملحوظ في قلوب الملايين
كان (جوته) في بواكير صباه فتى ملتهب العاطفة متأزم النفس ضيق الصدر مظلم الخاطر، حتى إنه كان يبتئس للخطب قبل وقوعه! ويقدر أنه هالك لا محالة! ولقد كان من آثار ذلك أن رحل عن (ويتزلر) كسير القلب قبل أن تضع الأقدار لقصة غرامه اليائس نهاية حاسمة. ولو أن المعجزة الهائلة كانت وقعت، فآثرت (شارلوت) عاشقها الشاعر الحساس على خطيبها المتبلد الجامد، فأكبر الظن أن هذا الانقلاب لم يكن ليحول بين (جوته) وبين الهرب من بلدة المرأة التي أحبها من كل قلبه، فإن استعداده الفطري للوقوع في حبائل الحب لم يكن يعدله أو يفوقه سوى استعداده الفطري لإيثار العزلة!
لقد زعم بعض من ترجموا له أنه حين رحل إلى (ويتزلر) كان يضيق بأيامه الأولى فيها، لأنه لم يجد فيها فتاة تستأثر بقلبه. غير أنه لم يلبث حين رأى (شارلوت بون) أن وقع في شرك غرامها. كانت في التاسعة عشرة، وكان لها اخوة صغار اثنا عشر توفيت أمهم. وليس من المحقق أن لقاءهما تم على النحو الذي وصفه في لقاء (فرتر وشارلوت) في قصته بعد ذلك، فقد جاء في القصة أن (فرتر) دُعي ليرافق، إلى حفلة راقصة، بضع فتيات وعدنه بأن يجدن له شريكة في حلبة الرقص، فاستأجر لهن مركبة ذهبت بالجميع إلى بيت (شارلوت) التي لم تكن قد أخذت بعد أهبتها للرحيل برفقتهم، إذ لم تكن قد فرغت من تقديم وجبة العشاء لإخوتها وأخواتها الصغار
كان اللقاء على هذا النحو استهلالاً رائعاً لملحمة شعرية بارعة. ومن المحقق أن شارلوت