وأئمة المؤرخين قد ذكروا عبد الله ابن علي عم أبي العباس وأبي جعفر في أكثر من خمسين موضعاً ولم يلقبه أحدهم بهذا اللقب، فكيف يمكن أن ندعى أنه اشتهر به حتى كان من جراء هذه الشهرة أن اختلط على الناس وعلى الأدباء وعلى فلان وفلان كالجاحظ وابن قتيبة فوضعوا صفة (عبد الله ابن علىّ) صفة (لعبد الله بن محمد) على قرب العهد. وكيف جاز أن يقع في ذلك الجاحظ في روايته، وهو أدق العلماء رواية، وهو الذي يردأ كثر رواية ابن الهيثم وابن الكلبي وغيرهما من أصحاب الأخبار؟ وخبره الذي رواه وذكر فيه السفاح في البيان والتبيين ج١ ص ٩٣ أخبره به (إبراهيم بن السندي) وقد قال فيه ج١ ص٣٢٦ (وكان إبراهيم بن السندي يحدثني عن هؤلاء بشيء هو خلاف ما في كتب الهيثم بن عدوى وابن الكلبي، وإذا سمعته علمت أنه ليس من المؤلف المزور، وكان عبد الله بن علي وداود بن علي يعدلان بأمة من الأمم. ومن مواليهم إبراهيم ونصر ابنا السندي، فأما نصر فكان صاحب أخبار وأحاديث، وكان لا يعدو حديث ابن الكلبي والهيثم، وأما إبراهيم فإنه كان رجلاً لا نظير له. . . وكان. . . وكان. . . من رؤساء المتكلمين وعالماً برجال الدعوة وكان أحفظ الناس لما سمع وأقلهم نوماً وأصبرهم على السهر
فرواية الجاحظ فيما نرى أقوم من رواية غيره، وهي دليل على صحة الصفة التي وصف أبو العباس أمير المؤمنين؛ والجاحظ قد أدرك صدر الدولة العباسية، ولم يكن بين مولده ووفاة أبي العباس السفاح كبير دهر حتى يكون ممن يختلط علية الحق في مثل هذا الأمر، وبخاصة وهو يروي ما يروي عن الثقات في معرفة أخبار رجال الدولة
أما سكوت الطبري وغيره - من متأخري المؤرخين عن صدر الدولة العباسية - فليس يعد دليلاً على بطلان هذا اللقب. وإن دل على شيء فربما دل على أنهم جانبوه وتباعدوا عنه وتركوه لما كان قد انتشر في عصرهم من معنى السفاح على أنه السفاك للدماء، وخفاء معنى هذا اللفظ الأول وهو الكريم الباذل الفياض الذي يكون عطاؤه للمال حثياً
هذه كلمةٌ صغيرة إلى للأستاذ العباديّ أرجو أن أكون قد بلغت بها بعض رضاه في التعقيب على رأيه الذي انتهى إليه ووقف عنده. ولعله يعود إلى الذي كتبه فإن له بالعلم بصيرة نافذة مسددة أن شاء الله.