للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطيور حتى استعملوه أحياناً في صغار الشجر والنبات، على انهم وضعوا لك اسم (الفروج) فلم يطلقوه على غيرك من صغار الحيوان ولكنهم أشركوا معك فيه نوعاً من أقبية وأمثالها ولعل العامة كانوا أنصف لك فوضعوا لك اسماً خاصاً، ومن أولى التخصص منك؟

ولكن - مع كل هذا - لا أدري من اين أتى اسمك (الكتكوت) فسأتركك لعلماء اللغة والاشتقاق ومقارنة اللغات، من سريانية وآرامية وفارسية وعبرية، لعلهم يجدون لك أصلاً - وعلى كل حال فقد أثبتَّ أن فيك مشكلة من مشكلة الحياة العظمى، وهي مشكلة اللغة، وستثبت مشكلة أخرى أعظم من هذا وأعقد فهب أن علماء اللغة استنكروا هذه الكلمة فأين سلطانهم على لفظك الذي تداولته العامة ونطقت به قروناً.

فهل إذا صدر قرار بمحو هذه الكلمة لأنها ليست عربية يسمع ويطاع. على أي وجه من الوجوه أنت مشكلة حتى في اسمك هذه هي الخادم قد رمت الحب للكتاكيت، فلا تسأل عما كان بينها من خصام ونزاع، ومباراة وسباق وضرب وطعان

وهل الانسان الا هذا - وهل تاريخ حياته الا نزاع وصراع وقد عبروا عن ذلك أصدق تعبير فقالوا، ان الحياة جهاد - أو ليس أكبر باب من كتب التاريخ هو تاريخ الحروب والفتوح، واعلان الحرب، ومعاهدات الصلح. وكل الفرق بينك ايها الكتكوت وبين الانسان أنك استعملت في جهادك ونزاعك منقارك الوديع وجسمك اللين الغض وجاء الانسان الراقي فاستعمل في الحصول على غذائه الكذب والخديعة والرياء والنفاق، واستعمل في مدافعة خصومه كل طر الكيد والدهاء، واستخدمت الجماعات في حربها كل أنواع المدمرات والمهلكات - وقد أعطى الانسان عقلا أرقى من عقلك لينظم عيشه فأفسده، ولينظم السلم فنظم الحرب، وليعاون أخاه فعاداه.

- أيها الصندوق!

فيك تنازع البقاء وبقاء الاصلح، فيك استكانة الضعيف وغلبة القوى، فيك الضعيف يكره العراك، وفيك القوي يصول ويجول، ويدعو إلى النزال - فيك الجمال وفيك القبح

- استأنست ايها الكتكوت بالانسان صغيراً، ثم علمتك التجارب ففررت منه كبيراً.

وكنت مادة صالحة للغذاء كما كنت مادة صالحة للادب، فمن قديم استعيرت منك الاستعارات اللطيفة، والابيات الجميلة، فقد قال الشاعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>