التجريبي. وعلى قدر ما يوجهه الباحثون من نقد جدي في كل هذا، تدخل التجربة ونتائجها بين الحقائق العلمية التي تأخذ مكانها بين ما يُسجل في الميراث العلمي المتداول على كر العصور.
أما أن يكون بعد ذلك للتجارب ذاتها أثر في التقدم واقتراب من حقائق الوجود ومعرفة لقوانين الكون، فهذا أمر آخر يرفع التجربة إلى مصاف الموضوعات الكبرى التي تتصل اتصالاً وثيقاً بحلقة المعرفة، ويرفع الفردَ المجهول إلى مصاف العلماء الذين يعرفهم التاريخ، وتدخل النتائج بين أرقى أنواع المِلكية لمجموعة الإنسان المفكر الذي يعمل على تقدمه على ممر الأجيال ولقد كان عمل بيران وأتباعه من الأعمال التجريبية الكبرى التي ارتفعت في تاريخ العلوم إلى مثل هذه الذروة، وكان بيران من الباحثين الذين وضعهم التاريخ بين العلماء البارزين
إنما يُستدل على هذا من أعماله التي فرغنا من مراجعتها بالأمس، سواء ما نشر منها بالمجمع العلمي الفرنسي أو ما ظهر منها في مؤلفاته، ولم يعتوريني ملل عند مطالعة هذه الأعمال مرة أخرى؛ فقد كنت طالعتها منذ سنين، وكنت أطالعها في شوق ورغبة هذه المرة. والواقع أنه عندما انتهيت من هذه المطالعة الأخيرة وقعت في نوع من الحيرة فيما أقدمه للقارئ منها لأن العمل متسع وجليل، بل ويلزم لاستيعابه مقدمات علمية لأنه مرتبط باكتشافات أخرى سابقة بعضها معروف للقارئ وبعضها قد يكون غير معروف
وهي اكتشافات عاونت جان بيران ليقوم بعمله الجليل الذي توصل فيه كما قدمنا في مقالات سابقة بطريقة مختلفة ولكنها وثيقة، إلى قياس قدرة الذرة وبالتالي إلى استنتاج قدر الإلكترون. هذه الاكتشافات السابقة لأعمال بيران التي تكون الحلقة الأولى فيما وصل إليه من معرفة نتعرض لها في هذه الأسطر ونلخصها في ثلاث خطوات رئيسية: الأولى خاصة بقوانين بويل وجاي ليساك للغازات، والثانية خاصة بما يسمونه فرض أفوجادرو، والثالثة دراسة (لابلاس) لتوزيع الضغط في طبقات الجو
ونعود بذاكرة القارئ إلى الخطوة الأولى، فنعود إلى قوانين يعرفها كل من جلس على مقعد في المدرسة، أولها قانون سنة ١٦٦٠ وماريوت سنة ١٦٧٥ الخاص بالغازات الذي يتلخص في أن كثافة الغاز تتناسب مع ضغطه وثانيها قانون جاي ليساك الذي بين