فدمدم الطبيب قائلاً: لا أتذكر، ومع ذلك فهذا جائز. . . إن كثيراً من المرضى يزورني كل يوم. . . ولكني لا أفهم ماذا تريد أن تصل إليه. . .
- أريد أن أصل إلى هذا: لقد كنت أنا ذاك المريض. ولقد كذبت عليك حين قلت لك وقتئذ إني أعزب. كنت متزوجاً وأباً لأولاد. . . وبعد أن أقفلت الباب ورائي لم أخطر لك على بال طبعاً. . . لأني واحد من أولئك المخلوقين البائسين الذين يزورون عيادتك كل يوم. . . أما أنا فقد كان لوصفك مرضي على هذا النحو أسوأ النتائج. . .
وأمرّ يده على عينيه ثم واصل حديثه:
- عندما عدت إلى البيت كانت زوجتي وأولادي الصغار في انتظاري. كان الفصل شتاء، ولكن البيت كان يستمتع بالدفء والراحة والسرور. وكنت إلى ذلك اليوم مشغوفاً بساعة العودة. . . والبقاء مع صغاري الأعزاء. كنت أحب قبلات زوجتي ومداعبات أطفالي. . . وفي أثناء النهار كنت أتوق إلى تلك اللحظة التي أصير فيها حراً لأنسى بين هؤلاء الأعزاء متاعب العمل والحياة. ولكنني في تلك الليلة عندما قدّمتْ إليّ زوجتي شفتيها، تراجعت. . . وأبعدت أطفالي الصغار حين أقبلوا إليّ، لأن البذرة التي بذرتها يا دكتور في نفسي بدأت تنمو!
جلسنا إلى العشاء، فكنت أحاول أن أخفي همي، ولكني كنت مكتئباً حزيناً، كسير القلب، أفكر في هذه الكائنات المحبوبة التي سأفارقها قريباً، في أسرتي التي ستفقد عائلها، في أولادي الذين سيكبرون أيتاماً
إن لغيري ممن يعرفون أن موتهم قريب تعزية، وهي أنهم قادرون على أن يضموا إلى صدورهم من يحبون ويملؤوا عيونهم منهم، ولكني أنا. . .! أنا الخطر الداهم لكل من يقترب مني، أنا من يحمل الموت معه. . . لا أزال حياً، وقد انفصلت عن الأحياء، ولم يعد لي حق في مسرات الحياة!
. . . وعندما حان موعد النوم، التف أولادي حولي كما يفعلون كل ليلة، ولكني دفعتهم عني لأن فمي الموبوء لا ينبغي أن يمس أفواههم!
أويت إلى فراشي ثم أخذ كل شيء يسكن في المنزل، وفي الطريق، فأشعلت النور، وبقيت ساهداً بالقرب من زوجتي وهي تنسم أنفاسها الهادئة