للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المناسبة. وليس في وسعنا أن نحكم على أدبه أو على استحقاقه الفني بمعزل عن استحقاق بلاده، فحسبه شهادة وتزكية انه أديب تلك البلاد التي ارتفعت إلى الذروة العليا من مقاوم البسالة والاستشهاد

لم نقرأ له ولكننا قرأنا عنه فذكرنا ما كتبناه في العام الماضي حين قلنا إن المحكمين يختارون لجوائزهم واحداً من اثنين: (فإما أديب من الأعلام البارزين طبقت شهرته الآفاق وحكم العالم له قبل حكم المجمع ونقاده. . . وإما أديب يخدم الطيبة والمروءة ويشيع بين الناس أواصر المودة والرحمة)

فإن لم يكن (سيلانبا) من الأولين فهو ولا ريب - على حسب أوصاف عارفيه - من الآخرين

ويبدو لنا أن هذا الكاتب الفنلندي قد استطاع ما لا يستطاع في كثير من الأحيان:

استطاع أن يوفق بين معيشته ومعيشة أبطال رواياته ومعيشة أبناء وطنه ومعيشة الإنسان في كل زمان بمعزل عن الأوقات والأوطان

فالأبطال الذين يصورهم في رواياته هم فلاحون فنلنديون، وهم مع ذلك أناسيّ صادقون، وهم مع هذا وذاك صدى ما في عيشه هو وعيش أسرته جميعاً من البساطة والسهولة والطيبة وقلة التعقيد

والظاهر أن سيلانبا قد استمد البساطة من نشأته ومن تعليمه على السواء

فهو بنشأته فلاح. وهو بتعليمه (بيولوجي) من تلاميذ داروين المعجبين بذلك العلامة العظيم. وليس في الدنيا شيء يعلم المفكر البساطة والسداد في النظر إلى الحياة والأحياء إن لم يتعلمهما من أخلاق داروين وعقل داروين وطريقة داروين في الملاحظة والاستقراء

وقد أبدع سيلانبا في الرواية الفنلندية نمطاً جديداً غير النمط الذي كان شائعاً في وطنه بين كتاب الروايات والأقاصيص

فقد كان الولع بالحبكة والتشويق والإطناب غالباً على الكثيرين منهم، وكان فن الحكاية عندهم غالباً على فن الحياة أو فن الملاحظة الصادقة عن كثب

ولعلهم وقعوا في غلطة الأكثرين من أدبائنا الشرقيين الذين حسبوا أن القريب لا يستحق البحث عنه لمجرد أنه قريب، وأن البعيد خليق بالسعي إليه لا لشيء إلا أنه بعيد. فتركوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>