للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البساطة والقرب وأوغلوا وراء الشذوذ والتعسف، ودلوا من حيث لا يقصدون على صعوبة المطلب القريب واستعصائه على غير العباقرة الملهمين

وجاء سيلانبا فعوّد القراء الفنلنديين كيف يسيغون قصة تقوم على مراقبة أم ووليدها الصغير، أو مراقبة الشيخوخة التي تتشابه فيها الأوقات والخواطر والأعمال، أو مراقبة الأفراد الذين لا يخلقون التاريخ ولا يأتون بالعجائب ولا يخرجون من الغمار، ولكنهم هم الطبعة الشائعة من كتاب الحياة الباقية، وفي هذه الطبعة ولا شك يقرأها من يفتش عن معناها الأصيل

وهو يحسب أن الأفضل الأكمل من مؤلفاته هو ما جاد به عفو البداهة وسخاء الساعة، ومن هنا إيثاره لقصة صغيرة اسمها (هلتووراجنار) وقوله إنها كتبت في سهولة وفيض سريع، وهكذا تكتب أحسن الآثار

لكنه كثير المراجعة لمعظم ما يكتب، فقلما يتركه بغير تنقيح وتصحيح على الهامش. ثم يعاد إليه من المطبعة فيزيد عليه ويحذف منه ولا يستريح إليه إلا بعد تبديل كثير

وأشهر رواياته (سيلجا) وهي كما قال قد ظفرت بالحصة الدنيا من التنقيح والتبديل

رأيت صورته فإذا هي تنم على تركيب بنية الفلاح الضليع المستنير.

ورأيت صورته بين أبنائه وزوجته الأولى فإذا هي تنم على رب الأسرة القرير العين بمعيشته البيتية وحمايته الأبوية

وقرأت تلخيص كتاباته فعلمت أنه جدير بأن يكتب مثله، لأنها من معدنه وهو من معدنها

زاره الكاتب الإنجليزي إيفور بنسون وكان في هلسنكي عاصمة فنلندا يوم إعلان نبأ الجائزة فقال:

لبثت أنتظره بعد الموعد نحو خمس دقائق أو ست. ثم اندفع إلى الحجرة وعلى شفتيه ابتسامة عريضة وفي إحدى يديه زجاجة من الجعة، وفي اليد الأخرى كوب ملآن إلى نصفه، وبادر معتذراً يقول:

(لقد تأخرت لأنني عنيت بالحلاقة الجيدة قبل غد لولا علمي أنني سألقى اليوم إنجليزياً فلا مناص من (عملها) اليوم. . . إذ يقال إن الإنجليزي يحكم على من يلقاه بأشياء ثلاثة: أولها حالة ذقنه، ومر بيده على ذقنه مرور الواثق المطمئن؛ ثم لمس رباط رقبته وعلى وجهه

<<  <  ج:
ص:  >  >>