وذكاء، ولكنه لم يستطع رغم عزمه وحزمه أن يخمد كل عوامل الانتقاض والفوضى التي تضطرم بها أفغانستان منذ أواخر عهد الملك أمان الله؛ وقد نشبت في عهده غير ثورة أخمدت دائماً في سيل من الدماء، ومازال الملك السابق أمان الله يتربص فرص العودة إلى عرشه، وما زالت تؤازره في أفغانستان بقية من أنصاره، هذا إلى أن القبائل الافغانية القوية في الشرق والشمال الشرقي مازالت تعيش في نوع من الاستقلال الاقطاعي، وتتردد بين تايد العرش والخروج عليه حسبما تملي عليها مصالحها أو حسبما توجهها المؤثرات الاجنبية في كثير من الاحيان.
والحقيقة أن أفغانستان تجد نفسها منذ نحو قرن من مركز حربي وسياسي يكاد يحرمعليها الحياة الهادئة. فهي تقع بين الهند البريطانية من الشرق، وبين التركستان الروسية من الشمال، وتكون بذلك ملتقى الجذب بين سياستين استعماريتين قويتين تتنازعان السيادةوالنفوذ في أواسط آسيا، وتلتقيان دائماً في ذلك الاقليم الجبلي الوعر، الذي يحد نفوذهما ويفصل بين أراضيهما، اعني أفغانستان. والشعب الافغاني لا يتجاوز أربعة ملايين جلهم من القبائل الجبلية، ولكنه شعب قوي بخلاله الطبيعية ونزعته العسكرية يعتصم دائماً بهضابه الوعرة، ويحرص على استقاله أيما حرص. وإذا كان تجاذب السياستين البريطانية والروسية يعرض افغانستان بين آن وآخر إلى تيار النفوذ الأجنبي، فان أفغانستان من جهة أخرى تتخذ من هذا التجاذب أداة لتدعيم استقلالها، وتجعل منه دائماً وسيلة لاقامة التوازن بين السياستين المتنافستين. بيد أن السياسة البريطانية التي تقدر أهمية افغانستان في حماية حدود الهند الشمالية الغربية من الغزو الروسي، تحرص دائماً على أن تكون راجحة النفوذ والكلمة، ولا تترد في تأييد هذا التفوق في السهر على مصاير أفغانستان بالقوة القاهرة. وأفغانستان تعرف أنها لا تستطيع أن تتخلص من هذا النفوذ دون أن تعرض استقلالها للخطر؛ وقد أنست هذا الخطر في تاريخها الحديث غير مرة إذ غزتها الجيوش الانجليزية في سنة ١٨٣٨، ثم في سنة ١٨٧٨؛ وعرض استقلالها للضياع في المرتين. وما زالت السياسة البريطانية إلى يومنا تقوم بدورها التاريخي في السهر على توجه شئون أفغانستان وتطوراتها.
ونستطيع أن نرجع من مرحلة التاريخ الأفغاني المعاصر إلى أواخر القرن الماضي، أو إلى