عهد الأمير عبد الرحمن خان الذي تولى العرش عقد تطورات الحرب الأفغانية الإنكليزية الثانية، سنة ١٨٨٤؛ فقد استطاع هذا الأمير القوي لأول مرة أن يحطم سلطة القبائل الاقطاعية، وان يخضعها لصولة العرش، واستطاع أن ينشئ لأفغانستان جيشاً نظامياً حسناً، وان ينظم الضرائب والموارد العامة؛ وتمتعت افغانستان في عهده بعد طويل من السكينة والاستقرار في ظل ادارة قومية صارمة. ثم توفى عبد الرحمن سنة ١٩٠١ وخلفه على العرش ولده حبيب الله خان. واستطاعت السياسة البريطانية في تلك الفترة ان توطد نفوذها في أفغانستان؛ وكان حبيب الله برغم حرصه على استقلال افغانستان الداخلي، يصانع السياسة البريطانية ويتقي اثارتها ما استطاع؛ وفي عهده بلغ النفوذ البريطاني ذروته في توجيه سياسة افغانستان الخارجية، ولا سيما في علائقها مع روسيا القيصرية، وتضاءل النفوذ الروسي إلى أعظم حد ولما نشبت الحرب الكبرى حافظ حبيب الله على صداقته مع بريطانيا العظمى، وقاوم كل مسعى بذلته المانيا لتحريض افغانستان على نقض هذه الصداقة، ثم تُوفي قتيلاً في أوائل سنة ١٩١٩، فخلفه اخوه نصر الله؛ ولكن ثورة نشبت بقيادة امان الله ثالث اولاد حبيب الله انتهت بعزله. وتبوأ أمان الله العرش في ربيع هذا العام وهنا كان تطور حاسم في تيار النفوذ الخارجي؛ وانتهزت روسيا السوفيتيه، هذه الفرصة لتسترد نفوذها الذاهب، فعاونت امان الله على انتزاع العرش من عمه، واستعملت كل وسيلة لمقاومة النفوذ الانكليزي والقضاء عليه؛ وذهب امان الله في خصومته للانكليز االى حد أنه دفع بجنده إلى اجتياز الحدود الهندية، ولكن الانكليز ردوها في الحال وعبروا الحدود الافغانية إلى (دكا) وأرغموا امان الله على عقد الصلح، ولكن بشرط أن تعترف انكلترا باستقلال افغانستان (اغسطس سنة ١٩١٩).
وكانت روسيا من وراء أمان الله تؤيده وتوجه خططه؛ وكانت انكلترا من جانبها تقدر هذا العامل الجديد في تطور حوادث افغانستان، وتتحاشى الاصطدام بروسيا السوفيتية، وتعمل لاتقاء دسائسها ما استطاعت، وأفغانستان من جانبها تجني ثمرة هذا النضال بين الدولتين الخصيمتين. بيد أن السياسة البريطانية لم تعدم وسيلة للاتفاق مع امان الله؛ ففي سنة ١٩٢١ عقدت في كابول معاهدة انكليزية افغانية جديدة، تعترف انكلترا فيها باستقلال افغانستان الخارجي والداخلي؛ وتعترف افغانستان فيها بالحدود الهندية الافغانية القائمة؛