الخوارزمي بعد فراغه من الإنشاد -: لو أن رجلاً حلف بالطلاق أني لا أقول شعراً، ثم نظم تلك الأبيات التي قالها الخوارزمي، هل كنتم تطلقون عليه امرأته؟ فهتف الجماعة: لا يقع بهذا طلاق!
ثم طلب البديع إلى الخوارزمي أن ينقد أبياته المتقدمة (برز الربيع لنا برونق مائه. . .) فقال الخوارزمي: قلت: أنظر لروعة أرضه وسمائه، ويقال: أنظر إلى كذا. فلم تسمع منه الجماعة
وشبهتَ الطير بالمحصنات، ثم شبهتها بالمغنيات. وأي شبه بين المحصنات والطير؟ ثم كيف توصف المحصنات بالغناء؟
فرد البديع: يا رقيع! إذا جاء الربيع كانت شوادي الأطيار تحت ورق الأشجار، فيكن كأنهن المخدرات بين الأستار، والطيور في الخدور كالمحصنات، وكالطير في ترجيع الأصوات
ثم قال الخوارزمي: وقلت: زمن الربيع جلبت أزكى متجر. هلا قلت: جلبت أربح متجر؟ فقال البديع: ليس الربيع بتاجر يجلب البضائع المربحة
ثم قلت: كالبحر في تزخاره، والغيث في أمطاره، والغيث هو المطر. فقال البديع: لا سقى الغيث أديباً لا يعرف الغيث! الغيث هو المطر، وهو السحاب. فصدقه الحاضرون
وهنا قال الإمام أبو الطيب الصعلوكي: قد علمنا أي الرجلين أشعر، وأي الخصمين أقدر، وأي البديهيتين أسرع، وأي الرؤيتين أصنع!
ثم مال المتناظران إلى فنون أخرى ظهر فيها فوقُ البديع، ووافق ذلك ملالة الحضور فشرعوا في الانصراف، وهم يثنون على البديع ويسلقون الخوارزمي بألسنة حداد!
وهمّ الخوارزمي بالقيام فأصيب بإغماء! فانحنى عليه البديع متمثلاً بقول بشر بن عوانة:
يعزّ عليّ في الميدان أني ... قتلت منافسي جلَداً وقهْرا
ولكن رمتَ شيئاً لم يرمه ... سواك، فلم أطق يا ليث صبرا
ثم أخذ يمسح عن وجهه! ويقبل بين عينيه! ويقول - على سبيل الاستهزاء -: أشهدوا أن الغلبة له!
ثم مدت الموائد وتكوّف حولها الحضور لتناول الطعام، وكأن الظفر فتح شاهية البديع!