للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مات إلف وترك أليفه، فإنما قد ورثه الحزن والوحدة، فيموت كمداً وحزناً على إلفه الراحل، فيقاطع الطعام والشراب، ولا يطير إلا منفرداً، ولا يمكن أبداً أن يتخذ إلفاً غير إلفه في الفترة التي يعيشها بعده طالت أو قصرت

وهذا الطير من الطيور المهاجرة (القواطع) فيعرف فصول السنة ويميزها، ولذلك ينتقل من الشمال إلى الجنوب في الشتاء، ولما عرف عن هذا البط الطيار من شدة الوفاء، يهدي للعروسين في بلاد الصين يوم عقد القران لهما دليلاً على الوفاء

أخيراً أذهب إلى الصورة لأرى الشيء المنسي،. . . إنه بيت من الشعر، مكتوب في سطرين باللغة الصينية معناه: (وراء هذه الزهرة تكمن معاني الخريف)

هل كان يصح مني أن أنسى هذا البيت من الشعر وهو الذي يفسر معنى الصورة؟! لقد مررت وأنا أكتب هذا المقال بمواضع فيها من تداعى المعاني ما يذكرني بالشيء المنسي ولم أذكره، وكان لا بد لي من الذهاب إلى الإطار لأراه

عجباً! كأن المصور اتهم بيان صورته عما أراده منها، أو اتهم الجمهور في فهم بيانه وما تشير إليه صورته؛ إن يكن قد اتهم نفسه فقد قسا في اتهامه، وإن يكن قد اتهم الجمهور فقد عدل فيه، فلا يفهم الصور فيما تشير إليه من معان إلا أهل الفن والخواص من الناس

وإنسان الفن لا يريد إيضاحاً كلاميا، ولهذا كان بيت الشعر بالنسبة للذاكرة شيئاً قليل الأهمية

وكيف يمكن أن أذكر هذا وأنسى براعة الفنان المدهشة في الإلماع إلى كمون معاني الخريف وراء أزهاره الشاحبة في ضوء القمر الكامل الاستدارة! لقد أخفت أزهار العشب الملوحة بالحمرة والصفرة جزءاً يسيراً غائراً من طرف القمر، فكان قلباً دامياً - نعم يقطر دماً

فيا أيها الفنانون المدعون، هل تسيرون وفق طبائعكم أو تخالفونها - فلا تبصرون ولا تفقهون، ولا تؤدون رسالاتكم المتوقف أداؤها على البصيرة؟!!

زينب الحكيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>