للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانحنت على خمَّ الدجاج فأخذت ما فيه من بيض، ثم هبطت الدَرج تستند إلى الحائط حتى بلغت غرفتها، فوضعت ما معها من البيض في كيس النخالة، وجلست في النافذة ترقب ساعي البريد. . .

إنه يوم السبت، وقد تعودتْ أن تلتقي في مثل هذا اليوم من كل أسبوع رسالة من ولدها لتطمئن. . .

وجاء ساعي البريد فسلَّم إليها الرسالة، ففضَّتها معجلةً وقرأت. . .

إنه قادم بعد يومين ليراها. . .

يا فرحتا! إن لها عيداً من دون الناس!

ووفَرتْ الأمُّ من غذائها لعشائها، وقامت إلى الصوان فأخرجتْ ثوبها الجديد الذي خاطته منذ عامين؛ فرتقتْ ما فيه من فتوق، استعداداً ليوم الاستقبال السعيد!

وكنستْ، ونظفتْ، وهيأت فراش الضيف؛ وجلست تعدّ الساعات وتهيئ برنامج الاستقبال؛ ونامت ليلتها تحلم. . .

ومضى اليومان وحلَّ الميعاد، وجلست الأم وراء الباب ترقب تقدم فتاها وقد هيأت ما هيأت لاستقباله. . .

هكذا كانت تفعل كلما حان موعد زيارته وإن له زيارة في كل شهر:

وتلقت الأم ولدها بالترحيب والعناق؛ وكأنما عاد إليها الشباب؛ فإن في عينيها بريقاً، وفي خديها حمرة، وعلى شفتيها ابتسام، وفي جبينها ألق!

وجلس إليها ساعة يحدثها وتحدثه؛ ثم نهض يتهيأ للخروج ليجول في المدينة جولة؛ ومشى يختال في زيَهِ وزينته، وأمه تشيّعه بعينيها من النافذة فرحانة!

لا عليها مما تقاسي من الجوع والظمأ والحرمان وإنه لسعيد! حسبها من سعادة العيش أن يكون ولدها كما يتمنى لنفسه؛ إنها لتكتم عنه وعن الناس ما تجد من الضيق والحرج وقسوة الحياة؛ وماذا يجدي عليها أن يعرف إلا أن يحزن ويتألم؟

. . وتوارى الفتى عن عينيها في منعطفات الطريق، فابتعدت عن النافذة وعلى خديها دموع وراحت إلى الصوان تفتحه لتخرج صندوقها الصغير، الصندوق العزيز الذي يضم ذكريات الماضي جميعاً؛ ويضم أماني المستقبل. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>