للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في هذا الصندوق أهدى إليها زوجها الذي فقدتْه منذ بضع عشرة سنة - هديةَ العرس الغالية؛ وفي هذا الصندوق كانت تحفظ ما تحفظ من حلاها وجواهرها، يوم كان لها حلي وجواهر؛ وفي هذا الصندوق كانت تدخر ما تدخر من مال لتنفق على ولديها حتى تبلغ بهما مبلغها. . . فماذا يضم صندوقها العزيز اليوم؟

بضعة جنيهات، وقرط مكسور، وسوار من الذهب: هذا كل ما هناك!. . . وإن بين ولدها وبين الغاية التي يهدف إليها بضعة أشهر!. . . ماذا يجدي كل ذلك؟

. . . وتركته في فراشه نائماً يحلم، وبكرت إلى السوق وفي يدها القرط المكسور وسوارها، تشد عليهما أناملها المرتجفة! وعادت بعد ساعة ومعها مال!

واستيقظ الفتى ليقص على أمه رؤياه وهو يضحك في مرح ونشوة، ويمنَّها بما ينتظر من السعادة يوم يكون ويكون! وابتسمت. . .!

ورفعت عينيها إلى السماء وعلى شفتيها نجوى خافتة، وفي قلبها أمل!

وقامت تودعه إلى الباب وأعطته ما طلب، لم تحرمه من شيء في نفسه؛ وانثنت إلى غرفتها لتضع الصندوق الفارغ في موضعه من الصوان!

ومضى الفتى على وجهه لا يبالي ما خلف وراء ظهره!

منذا الذي يرى هذا الفتى المتأنق الجواد فيعرف من يكون؟ إنه هو نفسه لا يعرف!. . . وأمه حيث تركها، تعيش من دنياها بين صباح ومساء، ويقظة ونوم، وأمنية بالنهار تتراءى حُلماً بالليل، وعجلة الزمن تدور فتطوي الحياة وتختزل العمر، وهي لا تدري. هذه هي دنياها! ولكن لها يوماً تترقب مطلعه على شوق ولهفة؛ ولكن متى. . .؟ أترى هذا اليوم حين يجيء يرد عليها الشباب المدبر والعمر الذي ضاع!

وانقضت بضعة أشهر، وحان اليوم الذي كانت تنتظر؛ ودخل إليها زوجُ ابنتها ليزف إليها البشرى. . . وكانت راقدة في فراشها تحلم!. . .

وجلست في فراشها، وأشرق وجهها بابتسامة راضية، وقبلَّت البشير قبلة، ثم مال رأسها على الوسادة. . . وكانت تبتسم. . .!

وهتفت في صوت خافت: الآن أديت واجبي! وعادت الابتسامة إلى شفتيها أكثر إشراقاً وفتنة!

<<  <  ج:
ص:  >  >>