للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هنا القاهرة!

نعم، هنا القاهرة، ولكن أين مكان الأديب في المدينة التي أصبحت عاصمة الشرق؟ أين مكان الأديب في القاهرة وبفضل قلم الأديب صارت القاهرة عاصمة الشرق؟ وهل خُلِّدت ليلى إلا بفضل أشعار قيس؟

أين مكان الأديب في القاهرة، ومن دم قلبه خُطَّ تاريخها الحديث؟ بل أين من تسمح له القاهرة بأن يقول إنه في هواها مجنون؟

إني وإياها كمفتتنٍ ... بالنار تحرقه ويعبدها

هنا - في القاهرة - زاد العقول والقلوب والعواطف والأحاسيس، فأين مكان الأديب يا قاهرة ليؤدي ما أداه عشاق بغداد في القديم وعشاق باريس في الحديث؟

زرت حديقة الأزبكية في صباح اليوم وهو يوم عيد فلم أر فيها غير شراذم من غلف القلوب، فأين الأديب الذي يُشعر الدنيا بأن في القاهرة حديقة اسمها حديقة الأزبكية؟ وكيف جاز أن تخلو هذه الحديقة في يوم العيد من مواكب الحُسن الوضاح، والجمال الفضاح؟ ومتى نعيش إذا ألهانا جِدُّ القاهرة عن مداعبة الملاح في يوم العيد؟

متى نعيش إذا استطاعت مُحرِجات الحياة أن تقهرنا على التفكير في منافعنا الدنيوية في المواسم والأعياد؟ وهل عًمرنا عمر نوح حتى نصبر عن مواسم الأفئدة إلى أجل قريب أو بعيد؟

هي أيام نقضيها مشدودين بسلاسل وأغلال إلى (قطار المفاجآت) في هذه الحياة. فمتى نلتفت إلى ما أنبت الغيث في صحراء الحياة من أزهار ورياحين؟

سيندم قومٌ على ما ضيّعوا من مواسم القلوب في القاهرة. وسأذكر بعد فوات الوقت أنني جنيت على شبابي حين أضعته بين سواد المداد وبياض القرطاس في زمن لا ينفع فيه غير الاتجار بالتراب. فهل أخرج من داري إلى معاقرة الحياة بالقاهرة في هذا المساء؟ وكيف ولي شواغل تحرمني الحرية في مساء العيد؟

وهل يستطيع قاهريّ أن يُمضي يوماً واحداً بلا كفاح وهو يعيش في مدينة مقدودة من صخور الصبر على مصاولة الحياة

إن هذه المدينة التي تفتنكم لم تُخلق في يوم وليلة، وإنما هي عُصارة العزائم الشداد في

<<  <  ج:
ص:  >  >>