عبقرية شوقي وحافظ وصبري ومطران؟
أليست القاهرة هي التي فرضت الخمول على مئات من الكتاب لأنهم لم يكونوا في عظمة محمد عبده وعلي يوسف وعبد العزيز جاويش ومصطفى المنفلوطي ومحمد المويلحي؟
ومن كتّاب اليوم وشعراء اليوم؟
عندنا مئات من الكتاب والشعراء، ولكنهم سيموتون بغصة الحسرة على أن نشئوا في القاهرة لهذا العهد، عهد الزحام العنيف الذي لا يسلم من كربه غير الفحول الصوّالين
لقد قيل إن الرحمة فوق العدل. فأين نحن من الرحمة وأين نحن من العدل؟ أين من يرحم الأديب الوسط أو يعدل في الحكم على الأديب الوسط فيقضي بأن من حقه أن يعيش لأنه قد يكون أقدر من بعض الذين خلّدهم أبو الفرج الأصفهاني؟
وأين الراحم أو العادل الذي يقول بأن في شعراء اليوم، الشعراء الذين أخملتهم القاهرة، من يفوق عشرات من شعراء (اليتيمة) و (الذخيرة) و (قلائد العقيان)؟
القاهرة لا تتسع أبداً لغير الأفذاذ الذين يغلبون الزمان
وهنا جواب السؤال الذي يوجَّه إليّ في كل يوم:
(كيف يتسع وقتك لكل ما يَصدُر عن قلمك من الدراسات الأدبية والفلسفية؟)
وهل عندي وقت وأنا موظف مسئول أمام الواجب؟
إنما أنا قاهريٌ يحبس نفسه في البيت يوم العيد ليحفر بسنان القلم ثقباً يتطلع منه على ضوء العظمة القاهرية عساه يُقنع القاهرة بأنه رجل مجاهد يستحق أن يعيش
فإن رأيتم قاهرياً يصنع مثل الذي أصنع فاعرفوا أنه رجل مكدود يحاول الظفر بكلمة ثناء من المدينة العاتية التي حكمت بألا يعيش فيها غير من يقدرون على أمواج المحيط في غضبة العواصف الهُوج، ودهرُنا كله عواصف هُوج يتفزّع من هولها المحيط
لا تصدقوا أبداً أننا نسعى في سبيل المجد، فذلك مَطلبٌ لا يخطر لنا في بال، وإنما نسعى للخلاص من شماتة الشامتين وسفاهة الكائدين
آه ثم آه!!
لو كان الماضي ينفع لجاز لرجل مثلي أن يعتمد على ماضيه في خدمة الحياة الأدبية والفلسفية، ولكن القاهرة تعبس في وجه الرجل الذي يعتمد على ماضيه، لأن ذاكرتها