تضيق عن مراجعة الأسماء، أسماء المجاهدين الذين عطروا باسمها أرجاء الشرق. هي حسناء لعوب لا تعرف غير العاشق المزوَّد بأطايب الثروة والعافية. فيا ربّ كيف أكون في وطني يوم يتعب قلمي فأنصرف عن الخلوة إليه في يوم عيد؟ حتى يوم العيد نقضيه في نضال؟
في مثل هذا العيد من سنة ١٩٣٢ كذبت على أبي مرة، ولم أكذب عليه غير تلك المرة. كتبت إليه أقول إني سأقضي أيام العيد في الإسكندرية فلا ينزعج أهلي إن حرمتني هذه النزهة من الأنس بهم يوم العيد في سنتريس
فهل قضيت تلك الأيام في الإسكندرية؟
لم تكن إلا حيلة لأحبس نفسي أيام العيد في البيت لأكتب فصلاً من فصول (النثر الفني) وهو الفصل الخاص بتطور السجع في اللغة العربية
وهل يصنع بنفسه هذا الصنيع إلى قاهري تقهره القاهرة على النضال المميت ليجد مجالاً في المدينة التي تصطرع فيها أقلام المازني والعقاد والزيات والبشري وهيكل وطه حسين، ومن إليهم من الباحثين الذين سيموتون قبل الأوان بفضل الكفاح الموصول؟
القاهرة لا تعرف الرجل الوسط، فافهموا هذه الحقيقة يا أبناء هذا الزمان، وإلا فهناك (سلّة المهملات) تنتظر الألوف ممن يراسلون الجرائد والمجلات؟
يمنّ علينا من يحمله التلطف على القول بأن القاهرة عاصمة الشرق. فهل تعرف القاهرة أن أقلامنا هي التي صاغت لها تلك العقود من الثناء؟ وكيف وعندها (سفح المقطم) الذي وسع الألوف من أجسام العبقريين؟
زرت سفح المقطم منذ أعوام لأستوحي روح ابن الفارض قبل أن أشرع في كتابة الفصل الخاص به في كتاب التصوف الإسلامي، فراعني أن أعرف أن تلك الناحية هي أنفع مكان في القاهرة من الوجهة الصحية. وكذلك أيقنت أن القاهرة تدخر أجمل بقاعها للأموات. وما أحسبها تصنع ذلك وفاءً، وإنما أخشى أن تكون أرادت التنبيه إلى أن عظمة الرجل في مصر لا تكون إلا بعد الموت!
يرحمك الله أيها القلب الذي يشغله الكفاح عن ملاهي العيد!
الآن، وقد انتصف الليل أو كاد، أفكر في مصيري بين قومي