إن لوبيا أيها الناس! ليست بالقطر الذي أغفله التاريخ وعدم المجد والشرف، وهي صاحبة قورناء في التاريخ القديم. إنها لازالت تضرب المثل العليا لبني الإنسان في علو الهمة وطهارة الضمير، وأبناؤها المشردون في البلاد العربية، الشرقية والغربية شهداء على ذلك. فهل وعيتم ماذا أقول؟
هل تذكرون أن من بواعث نهضة الشرق ويقظة العرب صليل السيوف ودوي المدافع في لوبيا؟
ولعلها من أول بلاد أحيت الروح العربية، وذكرت الناس مجدهم المهدوم وتاريخهم الوضاء! فهل تحفظون لها هذا الجميل؟
لم تكن لوبيا ميتة الإحساس ولا خامدة المشاعر، ولم تكن خافتة الصوت ولا الحركة، كما قد يخطر ببال كثير
إن في لوبيا حركة أدبية وعلمية لا بأس بها، لعلها تفوق في ذلك بعض أقطار عربية أخرى، ولكن من ذا يرى مقدار تقدم ثقافتها، ويلمس من قريب دلائل الحياة وسمات القوة فيها؟
هل زارها أدباء عرب طوفوا بالغرب، وعلموا خبايا الشرق، لعلهم يرجعون منها بخبر؟
هل أنبئونا عما شاهدوا فيه من مظاهر الحياة أو نذر الموت؟
هل رأوا ما فيه من مساجد وجوامع وكليات؟
وكيف رأوا حالة المكاتب والمطابع ونظم التعليم هناك؟
إن رجال العربية - عفا الله عنهم - نسوا هذا القطر، وانمحت من ذكرتهم كلمة لوبيا. ولو قدر لأحدهم أن يدخل إيطاليا من بحر العرب، أو يزور صقلية، أو ينتقل من الشرق إلى الغرب، أو من الغرب إلى الشرق، لما حدثته نفسه، أن يقف بمرسى طرابلس، أو يتأمل شواطئ بنغازي، ولما طاوعته إرادته أن يدخل خليج السرت، أو يمتع نظره بجمال الجبل الأخضر
إن لوبيا - أيها الناس - لم تنس حظها في خدمة اللغة العربية، برغم ما يعوقها من عقبات، ويعترض سبيلها من صعاب: فأرسلت بعثات علمية إلى الأزهر كما كان لأخواتها في الغرب والشرق من البلاد العربية، وإن كنت أعترف أنها فقيرة إلى كثير من الإصلاحات