والتنافس. قال الجبرتي في بعض يومياته بعد ذلك (وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم اشخاص) فرأى أهل الحكم أن يعودوا بذلك الشعب إلى هدوئه الأول، وسكينته القديمة، فبدأوا ينزعون منه السلاح بعد أن انقضت الحاجة إلى حمله. فغضب الناس لذلك حيناً، غير انهم أرغمو على الاذعان فأذعنوا. ولكن نفس حجاج الخضري لم تذعن بتلك السهولة بل قاوم وناضل وكابر. قال الجبرتي في وصف ذلك.
(وفيه بنى حجاج الخضري حائطاً وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة) ولكن ايستطيع فرد أن يقاوم دولة ولو كان من بناتها؟ لا، فان حجاجاً لم يستطع الا الهروب من القاهرة التي جال فيها تلك الجولات، ولجأ إلى جيش الالفي بك، وكان عند ذلك مرابطاً بجيشه يترقب الغرر، ويتحين الفرص، جاثماً طوراً عند إطفيح بالصعيد ومرة عند دمنهور بالبحيرة.
غير ان المقام لم يطلب لذلك البطل المصري في جيش الالفي بك وكيفل يطيب له المقام، وهو ابن البلد الصميم، يقيم بين جيش من المماليك يشمخون عليه بأنوفهم، وهو المعتز بكرامته الذي يرى نفسه مثيلاً وكفؤاً لهم؟ قال الجبرتي في وصف ذلك:
(وفيه أيضاً حضر حجاج الخضري الرميلاتي إلى مصر، وقد كان خرج من مصر بعد حادثة خورشيد باشا خوفاً من العسكر وذهب إلى بلدة بالمنوات. ثم ذهب عند الالفي، وأقام في معسكره إلى هذا الوقت، ثم ان الالفي طرده لنكتة حصلت منه، فرجع إلى بلده، وأرسل إلى السيد عمر مكرم فكتب له أماناً من الباشا، فحضر بذلك الأمان وقابل الباشا وخلع عليه ونادوا له في خطته بأنه على ما هو عليه من حرفته وصناعته ووجاهته بين اقرانه.)
غير أن نفسه لم تكن لترضى بعد ذلك بالبقاء في صفوف العامة الذين قضى عليهم أن يعودوا إلى انزوائهم واكتفائهم بالعيش العادي، فاختفى مرة أخرى من القاهرة، ولا ندري بعد ذلك له مقراً.
أقتله الجنود انتقاماً من كبريائه؟ أهرب إلى وطن غير مصر؟
لنسا ندري غير ما قاله الجبرتي (وفيه اختفى حجاج الخضري أيضاً بسبب ما داخله من الوهم والخوف من العسكر) اللهم ان في صفوف الابطال أفذاذاً لم يسمهم التاريخ ولمتعهم ذاكرة الأحفاد ليؤدوا اليهم ما يستحقون من الاجلال. . . ولئن كان حجاج الخضري أحد