ولقد صار كل همي في الحياة بعدئذ أن أكفر عن خطيئتي التي لا تقبل إصلاحاً. كان الرجل شريداً لا أهل له ولا أصدقاء يمكنني أن أعوضهم عن فقده بالمال. فقررت أن أخصص كل ما أملك من ثروة لمساعدة البؤساء والمنكوبين من أمثاله، عازفاً عن مسرات الحياة. وهكذا عشت وحيداً منسياً حتى هرمت قبل الأوان
ولقد أنقصت نفقاتي الخاصة إلى أدنى حد ممكن. . . ففي هذا الجحر عشت شهوراً وفيه أدركني المرض الذي أموت به الآن. . . والآن يا سيدي قد وصلنا إلى ما أريده منك. . .)
وازداد خفوت صوته حتى صرت مضطراً أن أراقب شفتيه المختلجتين لأستعين برؤية حركتهما على تفهم كلماته
(لا أريد أن تموت هذه القصة بموتي. أريد منك أن تعلنها على الناس درساً لأولئك الذين من واجبهم أن يقتصوا من الناس ولكن بالحق، لا أن يجلبوا العقاب للناس على أي حال. أريد أن تكون هذه القصة ماثلة أمام عيون رجال النيابة العمومية وهم يؤدون واجبهم في طلب رأس المجرم)
فأكدت له أني سأفعل ما يطلبه
وازدادت رعشة الرجل وهو يواصل حديثه قائلاً:
(ولكن ذلك ليس كل شيء. . . لا يزال لديّ بعض المال. . . لم يتسع الوقت لتوزيعه. . . إنه هناك في درج هذه الخزانة. أريد منك أن توزّعه بعد موتي. . . لا باسمي، بل باسم ذلك الرجل الذي كنت سبباً في إعدامه منذ ثلاثين عاماً. . . وزّعه على الفقراء باسم راناي)
فحملقت مردداً:
- راناي؟!. . . لقد كنت أنا المحامي عنه فهز رأسه متمتماً:
- أعرف ذلك. وهذا هو السبب في طلبي إياك. لقد كنت مديناً لك أنت بهذا الاعتراف. أنا ديرو، وكيل النيابة
ثم غمغم ببضع كلمات أخرى لم أتبين منها سوى كلمة راناي
هل خنت سر المهنة؟ هل خرقت القواعد التي تحتمها صناعتي؟ إن المنظر المؤلم لهذا