عنايتهم، حتى ذهب كبير من أعلام دولة القلم يتحدث إلي في مجلس خاص فيقول إن اللفظ للمعنى كالثوب على الرجل، فهو إن كان رجلاً فاضلاً لم ينتقص خلق ثوبه من فضله، وإن الرجل مهما يكن لباسه شريفاً ولكن نفسه فقيرة من الفضل وقلبه خلى من العلم لا ينفعه اللباس في شيء!
وعلى الرغم مما في ظاهر هذا القول من تعبير حق عن جوهر الموضوع فإن اللفظ الشريف يزيد المعنى الجليل شرفاً، كما يسبغ الثوب الكريم على الرجل العظيم مهابة ويزيده توقيراً ويكون أدعى إلى احترامه لدى غشيانه المجلس
فإن أول ما يطالبك من الرجل لباسه، وأول ما يفاجئك من المعنى ظاهر لفظه. ورب معان كريمة ضاعت لسوء صياغتها وركاكة أسلوبها. ورب مقالة خلدتها الرواية لطلاوة السياق وبلاغة الإيراد ورقة الحاشية
والزيات كاتب جمعت له إلى رصانة الأسلوب ووضوح السياق حلاوة المعنى، وبلاغة العبارة. ولعله في ذلك متميز بالجمال في الناحيتين. ذلك الجمال الذي تلمس منه ميلاً إليه في شتى صوره وتفصيلاً له في جميع معانيه. فأنت أول ما تطالع من كتابه الجديد مقالة (في الجمال)، فهو يحدثك في هذه المقالة عن الجمال حديث الشاعر الملهم، والكاتب الصادق الحس، ورجل الفن الذي استغرق الفن مشاعره واستجاب لحاسته الفنية الدقيقة.
فهو بهذه الصفات كلها يقولك:
(الطبيعة والفن إنما يحدثان أثرهما في النفس، إما بالفكرة وإما بالعاطفة وإما بالشعور الصادر عن آلات الحس، ومن ذلك تنوع الجمال، فكان عقلياً وأدبياً ومادياً).
هذا مذهب يذهب إليه الرجل وهو يتحدث لا بعقله وحده وإنما بحسه أيضاً، ذلك الحس الذي يشعر بالجمال ويقدره، يشعر به جمالاً عقلياً وأدبياً ومادياً لا يخطئ في الشعور به ولا يغفله في أية صورة ظهر أو خفي. . . وآية ذلك أنه يقول بفعل ذلك الإحساس وحده: (وجمال المرأة يحتفظ بدوامه وسحره مادامت له روح العاطفة تشع في نظراتها، وتنسم في بسماتها، وتشيع في قسماتها، وتنشر أضواءها السحرية على أعصاب الرجل - وهو بطبعه ولوع - فيتمتع بنعمة اختياره ولذة إيثاره، ويجد في الضعف الذي يستسلم ويستكين، الحب الذي يطول ويحكم. .