المسكين الهون وقف على مضض، وإذا ملكته الحمية انصرف على شجار!
لقيت منذ يومين في فناء الوزارة الفلانية صديقي فلاناً المهندس المقاول خارجاً يزجر من الغيظ وينتفض من الغضب. فقلت له وأنا أربت على كتفه:
- كفاك الله الشر! ماذا بك؟
فقال بصوت يتفجر بالسخط ويتهدج من التأثر:
- والله يا أخي ما أدري أنحن عبيد الموظفين أم نحن وهم عبيد القانون؟ هذا فلان بك. .
- فلان بك؟! إنه الرجل الذي أقصده الساعة في مسألة عامة
- تعال تعال! لا خير في لقائه اليوم. لقد تركنه يفور على الكرسي فوران القدر على الموقد
- ولم كان ذلك؟
طلبت الإذن عليه لأشكو إليه خلل إدارته وإهمال مرءوسيه، فإن لي عملاً يدخل في اختصاصه مضى عليه سنتان، وكان يكفي لإنجاز يومان، فأهملني عند سكرتيره ساعة ثم خرج غير آذن ولا معتذر. فانصرفت خجلان من سوء ايظن بي مدير مكتبه، ثم عدت إليه يوما آخر وطلبت إذنه مع الطالبين وفيهم كما علمت النائب والصاحب والقريب، فدخلوا وخرجوا، ثم دخل قبلي من جاء بعدي، حتى لم يبق في شرف الانتظار إلا أنا ورجلان من أصحاب العمل. حينئذ قال سكرتيره: أن البك مشغول بقية الوقت! فثار في وجهي الدم، وطغى في رأسي الغضب فاقتحمت عليه الباب وقلت له من غير اعتذار ولا تحية: يا سيدي البك! ربما كنت أنا الزائر الوحيد الذي زارك اليوم لعمل من الأعمال التي تجلس لها وتؤجر عليها، فلم يكن من اللائق بأمانة المنصب أن تحجبني مرة بعد مرة لتستجيب إلى طلاب الشفاعات والوساطات من ذوي الصداقة والقرابة.
فحملق البك في وقد استشاط وبربر وصاح: من أنت ومن أذن لك بالدخول؟ فقلت له: أنا فلان! سرى من سراة البلد، وثروة من ثروات الأمة. نشأت في مهد العدم، ثم تعلمت للعمل الحر، وضربت في سبيل العيش الكريم من أفق إلى أفق، حتى أصبح عملي الناجح مرتزقاً لمئات من الأسر العاملة، وأصبحت - وأنا لا أزال في شباب الكهولة - ذا خمسين ألف جنيه ورتبة. أما أنت فالكبير الصغير! كبرك المنصب والمرتب اللذان أدركتهما بمضي المدة، وصغرك العجز والكسل اللذان كشفاك في إدارة العمل. أن سلطان الوظيفة يا سيدي