وآية ذلك أن بعض المجانين يفقدون اللب والصواب ولا يلعبون، بل ينوحون ويتخبطون ويبتئسون، لأن جنونهم يسلمهم للخوف والفزع ولا يسلمهم للطلاقة والمراح.
فهل يقال انهم إذن أعقل من العقلاء الذين يلعبون حيناً بعد حين؟
كلا. بل يقال أن الطلاقة تلازم اللعب في كل حين. . . أما الجنون واللعب فلا يتلازمان.
وينبغي أن نفرق هنا بين اللعب الذي نعنيه، وبين ما يلتبس به في بعض ظواهره ودواعيه
فاللعب الذي نعنيه غير التسلية
واللعب الذي نعنيه غير الرياضة
لأن الورق والنرد والشطرنج تسمى ألعاباً ولكنها لا تحتاج إلى فيض حياة ولا إلى تمام الشعور. بل لعلها تحتاج إلى الكسل والراحة والفتور، وهي في لبابها شغل من الأشغال ولكنه شغل فراغ.
ولأن الرياضة وسيلة إلى غيرها في كثير من الأحوال، فهي بين رياضة تراد للحرب، ورياضة تراد للعلاج، ورياضة تراد لاحتمال المشقات، ورياضة تراد للتجميل والتقويم.
أما اللعب الذي نعنيه فهو التعبير الملازم لحالة الفيض والإشراق فلا يراد بعد ذلك لغرض من الأغراض
هو شيء كلمعان الزجاج حين ينتفى عنه الكدر وينجلي عنه الغشاء.
فلا يقال أن الزجاج يلمع لهذا الغرض أو لذاك، ولا يقال أن اللمعان وسيلة مقصودة ليبيعه البائعون ويشتريه المشترون ويصنعه الصانعون.
وكل ما يقال أنه يلمع لأن اللمعان طبيعة فيه، وشعاع من نوره السابغ عليه
وعلى هذا المعنى يدخل في باب اللعب ابتكار الفنان، ووحي القريحة، وتوقان النفوس إلى العظائم، وغرام العقول بالكشف عن المجهول، ولألاء الجمال في الوجوه، ولألاء الجمال في الأرواح.
وعلى هذا المعنى كذلك يعم اللعب فطرة الحياة حيثما وجد الأحياء.
فهو في الطير المغرد، وفي الحوت السابح، وفي الحيوان الطافر، وفي كل ما يفيض بحياته فيندفع في ألعابه، ويوشك أن يخرج من إهابه.
أما التسلية فليست من الفطرة