وهل يمكن للمرء أن يتصور طريقة تصنيف أعقم من هذه الطريقة، وخطة تبويب أسخف من هذه الخطة. . . من وجهة مقتضيات العقل والمنطق من جهة، ومطالب التربية والتعليم من جهة أخرى؟
إن المعاجم العربية الموجودة بين الأيدي لا تزال تضع الاشتقاق في الموضع الأول من الاعتبار، فتهتم بأنساب الكلمات قبل كل شيء وفوق كل شيء، كأنها لا تريد أن تعترف بشيء من حق الاستقلال للكلمات المشتقة، مهما كان مبلغ تخصصها في معنى من المعاني، ومهما كانت درجة تباعد هذا المعنى الخاص عن المعنى الأصلي. . . إنها لا تعترف لها بحق الاستقلال في بيت خاص حتى ولو كانت قد أصبحت رئيسة أسرة خاصة، ومنشأ ذرية كبيرة، كأنها تريد أن تبقيها تحت وصاية مستمرة وتحتم عليها أن تسكن على الدوام، في دار (جدها الأعلى) مع جميع أفراد العشيرة التي تنتسب إليها. . .
فلنترك الألفة المخدرة جانباً، ولنفسح لأذهاننا مجال التفكير الحر خارجاً عن الطرق المألوفة قليلاً: هل من المعقول أن نستمر على هذه الخطة في معاجمنا، ولا سيما في المدرسية منها.
هل من المعقول - مثلاً - أن نستمر على إدخال كلمة المصباح في مادة الصبح، فنتركها في معاجمنا ضائعة بين كلمات الصباح، والصباحة، والصبوح، والصبيحة والاصطباح والاستصباح. . .؟ وهل من المعقول أن نستمر على عدم اعتبار لفظة (الأنبوبة) كلمة قائمة بنفسها، وعلى إدخالها في درج الـ (نب) ونظل نطلب من أطفالنا وطلابنا أن يجدوها هناك؟ وهل من الحكمة في شيء إلا توجد محلاً ملائماً لوضع كلمة (الميزانية) في غير الخزانة المخصصة لمادة (الوزن). . .؟
وعندما ما أكتب هذه الأسطر يتوارد على ذهني أمثلة كثيرة من هذا القبيل، كأنها تتسابق في التباعد عن قواعد العقل والمنطق ومبادئ التربية والتعليم إلى أقصى حدود التباعد. . .
أن كلمة الاستئناف - مثلاً - بالرغم من معناها الخاص الذي يلعب دوراً هاماً في الحقوق والقوانين، وبالرغم من كثرة المحاكم التي تسمى بها لا تزال تلتجئ في المعاجم إلى ظل كلمة (الأنف)!. . .
وكلمة (الاستراحة) - التي يستعملها الناس في كل يوم مئات من المرات - لا تزال