لقدامة بن جعفر لا يفهمه المدرسون إلا بعناء فضلاً عن التلاميذ.
وأقول بصراحة إني لم أفلح في حمل المفتشين على مقاومتك، فبرزت لك بنفسي في مقال نشرته بمجلة الرسالة، فهل استجبت لصوت الحق وأعفيت التلاميذ من كتاب تقوم تعاريفه على منطق أرسططالس وهم يجهلونه كل الجهل؟
أنت عزيز علينا يا سيدي الدكتور، لأنك رجل شهم، ولكن ما رأيك في أغلاطك؟ ومن يدلك عليها إذا سكت عنك؟
هل تذكر كلمة (الصديق العظيم) منذ أيام حين قال لك وهو يبتسم: كيف صيرتم زكي مبارك دكتوراً وهو رجلٌ مشاغب؟
أنت تذكر ذلك ولا ريب، ولكنك تعرف أني لم أنل ألقاب الجامعة المصرية بلا جهاد، وأنت نفسك أسقطتني في امتحان الليسانس مرتين، واشتركت في امتحان الدكتوراه الذي أديته أول مرة مع انك لم تكن عضواً في لجنة الامتحان، وكان لخصومتك الصورية تأثير في الدكتوراه التي ظفرت بها للمرة الثالثة فلم أصل إليها إلا بعد جهاد سبع سنين.
فما فضلك علي أن لم يكن فضل المؤدب الحصيف؟
هل تذكر يا دكتور ما وقع في نوفمبر سنة ١٩١٩؟
هل تذكر ما وقع يوم غاب سكرتيرك وكنت وحدي الطالب الذي يفهم العبارة الفرنسية لكتاب نظام الآتينيين لأرسططاليس؟
وهل تذكر انك أعلنت سرورك بأن يكون في طلبة الجامعة المصرية من يفهم أسرار اللغة الفرنسية؟
فمن يبلغك أن الشاب الذي أدخل السرور على قلبك في سنة ١٩١٩ هو الكهل الذي تنكره في سنة ١٩٤٠؟
أنا أعرف ما تكره مني. أنت تكره مني الكبرياء، وكيف أتواضع وقد أعانني الله على بناء نفسي؟ كيف وقد أقمت الدليل على أن الشباب المصري خليق بعظمة الاعتماد على النفس؟ وهل رأيت رجلاً قبلي أتم دراسته في أوربا وهو مثقل بتكاليف الأهل والأبناء؟ هل رأيت رجلاً قبلي يهتف بأوطار الشباب وهو مثخن بجراح الزمان بعد الأربعين؟ هل رأيت رجلاً قبلي يؤلف الكتب الجيدة في البواخر والقطارات والسيارات؟