ثم لقيتني بعد ذلك في الجامعة الأمريكية وجادلتني في تلك الأغلاط فأعلنت أني أخطأت، وكان ذلك لأن الجمهور أحاط بنا من كل جانب ليرى كيف أدفع هجومك، وما كان يجوز لي أن أصنع غير الذي صنعت، لأن أدبي لا يسمح لي بمصاولتك أمام الناس، ولان وجهك يشفع لك، فهو وجه لا يلقاه الرجل الحر بغير الإعزاز والتبجيل.
فما الذي صنعت أنت في تصحيح الأغلاط التي أخذتها عليك؟
مضيت فنشرت محاضرتك عن البحتري في كتابك:(حديث النثر والشعر)، وأبقيت تلك الأغلاط، أستغفر الله، بل (تفضلت) فشكلت الكلمات المغلوطة لتقول: إنك لا تعبأ بأي نقد يوجه إليك!!
فما الذي كان يمنع من تدارك تلك الأغلاط؟ وما الذي كان يمنع من شرح رأيك في الهامش إن كنت تؤمن بأني لم أكن على حق؟؟
ثم ماذا؟
ثم حدث في صيف سنة ١٩٢٩ أن أنكرت على أن أتخذ شواهد لتطور (النثر الفني) من رسائل عبد الحميد بن يحيى. وقلت: إن عبد الحميد بن يحيى شخصية خرافية كشخصية امرئ القيس! وكان ذلك بمسمع من شابين واعيين هما: محمد مندور وعلي حافظ. وكانت حجتك أن عبد الحميد بن يحيى لم يرد اسمه في مؤلفات الجاحظ، فرجعت إليك بعد أيام وأخبرتك أن الجاحظ تكلم عن عبد الحميد بن يحيى مرات كثيرة، وإن مؤلفات الجاحظ تعرف رجلين: أحدهما عبد الحميد الأكبر والثاني عبد الحميد الأصغر، فلم تجب بحرف واحد. ثم ألقيت وأنا في باريس محاضرة قلت فيها: إن عبد الحميد بن يحيى أخذ أشياء من أدب اليونان؛ وفاتك أن تنص على اسم الرجل الذي أقنعك بأنه لم يكن شخصية خرافية.
وقد حملني (العفريت الذي يحتل رأسي حين أخلو إلى قلمي) على أن أسجل هذه القضية في أحد هوامش كتاب النثر الفني، فكانت فرصة اغتنمها صديقك الأستاذ أحمد أمين ليقول في مقال كتبه في مجلة الرسالة: إن زكي مبارك يعوزه الذوق في بعض الأحيان!!
ثم ماذا؟
ثم كانت لك يد مؤثرة في شؤون الدراسة الثانوية بحجة أنها تمهيد للدراسة الجامعية، وكان من أثر ذلك أن فرضت على طلبة السنة الخامسة بالمدارس الثانوية كتاباً في نقد النثر