مصر وهوائها ومائها وأهلها وفي ذم اخلاقهم وأجسامهم وطبائعهم. . وكلها عبارات لا تزيد قوة على العبارة السالفة.
ولقد يجوز لكاتب أن ينقد أخلاق المصريين وأن يرميهم بصفات الضعف إن شاء، أو الجبن أو الانهماك في الشهوات. ولكن ليس لأحد ان يرجع شيئاً من هذا إلى طبيعة الأرض أو الماء أو الحراة. فيضل ويضل. وأولى بهؤلاء القضاة أن يبدأوا بدراسة لكل اقليم وطبيعة كل بلد من بلدان العالم إذن لعلموا أن كثيراً مما يتهم به أصل مصر - صدقاً أو كذباً - شائع فاش في أقاليم تختلف عن مصر كل الاختلاف، وهنالك أقاليم لا يقل هواؤها حرارة عن هواء مصر، وأرضها سهلة كارض مصر، تعيش فيها شعوب لا يشك أحد اليوم في رقيها وتفوقها.
ومن الأمثلة الشائعة في تأثير البيئة ما يقال من أن المناظر الطبيعية تخلق الشعراء وتوحي بالشعر والموسيقى. وقد زار أحد كتاب الامريكان بلدة ستراتفورد حيث ولد شكسبير، فصور له الخيال الجامح أن مثل هذه البيئة - والتي ليس لها في الواقع ما يميزها - هي الجديرة بأن توحي إلى رجل مثل شكسبير تلك الدرامات الخالدة، والقصائد الرائعة. . ولولا جهل هذا الأمريكاني لعلم أن شكسبير لم يقض في هذا الأقليم غير زمن الحداثة. ولم يكتب فيه شيئاً بل قضى معظم حياته في لندرة تلك البلدة المظلمة التي لا يمكن أن توحي من تلقاء نفسها بشيء جميل.
واذا سلمنا بأن المناظر الطبيعية الجميلة تثير الخيال وتبعث الشعر في النفوس، فاننا سنلاقي من غير شك صعوبة عظيمة في تعليل تلك الظاهرة الغريبة وهي قلة نبوغ الشعراء الفحول في سويسرة التي لا يضاهيها في أوروبا بلد في أنهارها الجارية، وجبالها الشامخة، ومناظرها الرائعة.
أليست الحقيقة اننا نتورط كثيراً، ونندفع في الاستدلال والاستنتاج، ونقضي بأحكام شاملة واسعة من غير حذر ولا تدبر، بل وأحياناً من غير فهم لما نريد الخوض فيه؟!