للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المصرية الفرعونية.

والفنان الفرعوني لم يستطع أن ينشئ هذه الآثار الهائلة الغريبة التي بقيت هذه القرون الطوال تتحدى الزمان المتطاول عليها، ولم يمنحها هذا الجبروت الهائل والاستبداد الطاغي إلا بالقوة التي أنشأنها ودبرتها له عقائده الوثنية الرهيبة، وإيمان المجتمع المصري بها إيماناً خاضعاً متعقباً أيضاً، وأعانتها الطبيعة الجغرافية المصرية العظيمة بشمسها وقمرها وصيفها وشتائها، وصحرائها التي تحف بالنيل العنيف المتدفق بسلطان طاغ كسلطان الفراعنة الملوك. كل أولئك أثار الفنان وأمد إحساسه المرهف بالمادة التي استطاع أن يصوغ فيها فنه الوثني العبقري

وعلى ذلك فيجب أن تقرر أن الفن المصري الفرعوني - على دقته وروعته وجبروته - أن هو إلا فن وثني جاهلي قائم على التهاويل والأساطير والخرافات التي تمحق العقل الإنساني، فهو إذن لا يمكن أن يكون مرة أخرى في أرض تدين بدين غير الوثنية الفرعونية الطاغية - سواء أكان هذا الدين يهودياً أم نصرانياً أو إسلامياً أو غير ذلك من أشياء الأديان.

تمثال نهضة مصر

وهذا (تمثال نهضة مصر) القائم في (ميدان المحطة)، والذي أقامه المثال القدير (مختار)، أنا أراه فلا أرى فيه إلا تقليداً فاسداً لآثار حضارة قد دثرت وبادت ولا يمكن أن تعود في أرض مصر مرة أخرى بوثنيتها وأباطيلها وأساطيرها وخرافاتها. نعم، هو تقليد رائع يدل على قدرة الفنان الذي نحته، ولكنه لا معنى له الآن في مصر الإسلامية. هل يستطيع الفنان الذي نحته وأقامه أن يعيد في مصر تاريخ الوثنية الجاهلية، واجتماع الحضارة الفرعونية، وما يحيط بذلك من الأبنية الضخمة التي شادها أوائله، والتي كانت وحياً للفنان الفرعوني الذي عبد الشمس وخضع لفرعون وأقر له بكل معاني الربوبية، وآمن بالأباطيل والأساطير والتهاويل الدينية الوثنية الضخمة الهائلة المخيفة التي قذفها في قلبه أبالسة عصره من الجبارين والطغاة؟ وهل يستطيع أن يجعل في أرض مصر شعباً وثنياً متعبداً للفراعنة والجبابرة بالخوف والرهبة والرعب حتى يتأثر بمعنى هذا الضرب من الفن المصري القديم؟ ولكن أفي مصر الآن من الشعب من يستطيع أن يجد له معنى أو تأثيراً أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>