للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اهتزازاً إلا من القدم وأخيلة القدم؟ كلا. . . كلا.

لقد ذهب كل هذا، لقد دثر، لقد باد. إن الأصول الفنية التي يكون بها الفن فناً قلما تتغير، وهي ممكنة دانية في كل الآثار على اختلاف أنواعها وبلادها وأراضيها وأديانها، ولكن روح الفن هي دين المجتمع وعقائده وطبيعة أرضه وسائر أسباب حضارته، وهي التي تمنح الفنان القوة والقدرة على الإبداع، وهي التي ترفع فنه أو تضعه.

وإذن فدعوة الدكتور طه إلى الاستعداد من الفن الفرعوني - كما استمد (مختار) - ثم دعوته إلى جعل اجتماعنا اجتماعاً إسلامياً، ثم استمدادنا أيضاً من الفن الإسلامي - تناقض عجيب في أصل الرأي، لا يمكن أن يكون ولا أن يعمل به إلا إذا شئنا أن نوجد لمصر حضارة مقلدة ضعيفة ملفقة من أشياء ليست نتيجة ولا شبه نتيجة للاجتماع المصري الإسلامي الحديث الذي تدعو إليه ويدعو إليه الدكتور طه حسين!!

وبشر أيضاً!!

يقول بشار بن برد لخلف بن أبى عمرو في حديث جرى بينهما معابثة ومزاحاً:

ارفْق بعمرو إذا حركتَ نسبته ... فإنه عربيٌ من قواريرِ

وصديقي (بشر) قارورة عطر نشوان من نفحات روحه، قارورة عربية معربدة تختال بطيها تياهة من الخفة والطرب. وأنا أرفق به ولكنه يأبى - كرماً منه - إلا أن يتحطم في يدي ليسكب طيبه عليها فيعبق بها، ويبقى أبداً يتضوع منها نسيماً يسكر، ويعلق بهذا القلم من عطره أثر خالد كرائحة الحبيبة في ذكرى المحب، و (للرسالة) بعد ذلك من شذاه ما يفور وما يتوهج وما يسطع من نضج عبيره.

وبشر - هذا الإنسان الرقيق - يتجهم لي ويملأ علي (بريد الرسالة) زلزلة ورعداً وبرقاً وصواعق. . . ويبصرني بفروق اللغة بين (وضع بحراً) و (اخترعه)!! وأنا بلا شك لا أستطيع أن أشغل نفسي بتبصيره بمنطق اللسان العربي. ثم لا يكتفي بهذا بل هو يغلو في تقديري فيعدني من (الخلق) الذي يقف على معاني الألفاظ العربية من (إلا كباب على قراءة الصحف اليومية)!! كلا، بل يجوز ذلك فيعلمني مجاز العربية وحقائق بيانها ودقائق ألفاظها!! أوه، بل هو يعرفني بالقرآن لأني (من عامة الناس في هذا الزمان) ممن يفهمون القرآن - كلام الله - بما يغلب عليهم من عامية العصر!! ولا يكون كل ما يكتبه (بشر) من

<<  <  ج:
ص:  >  >>