علمه هذا (إلا على جهة التسلي والتلهي)! بلى، فهو يرحمني ويشفق على أن يدخل بي في المقاييس العربية الدقيقة الغامضة التي تستهلك قوة العقل والإدراك، فهو يأخذني من قريب!! وأنا قد أخطأت وأسأت وأثمت وحبط عملي، ومحقني اندفاعي إلى شعر بشر (أتلمس) - هكذا قال بشر - أتلمس له الخطأ!!
ولا كل هذا أيها العزيز، (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة)، وأنا يا بشر لا أطاولك في علم ولا فقه ولا بيان ولا معرفة، فأنت أنت، وأنا حيث أنا من العجز والبلادة، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
ومن جَهِلتْ نَفْسُه قدرهُ ... رَأَى غيرهُ منْه ما لا يَرَى
وأنا يا صديقي أقل شأناً وأضعف من أن أجرى في عنانك، ولكنك - إذ كتبت ورددت وأعطيتني فوق ما أستحق في نفسي - تحملني على المركب الصعب، فكان أولى بك أن تهملني، فإما إذ أبيت فلا بأس عليك إذ أنا أقحمت نفسي معك؛ فاصبر على هذا البلاء (فالحر يظلم أحياناً فيظلم)
وقد زعموا - أيها العزيز - أنه كان رجل عبادي بالحيرة البيضاء، فلاقى ضحضاحاً من الماء لابد له أن يجوزه ويخوض فيه، فاستعان الله وأقبل على الماء - وهو إلى الكعبين حسب - فلما دخله صاح:(الغريق، الغريق!) يستنجد أصحابه، فتناولوه يسألونه: ما دعاك إلى هذا وليس غرق؟ فقال:(أردت أن آخذ بالحزم)
وأنت - أيها الصديق - تأخذ بهذا الزم، فتهرول إلى (لسان العرب)، و (أساس البلاغة) و (الألفاظ الكتابية) تحشد لي ما جاء فيها من مادة العربية في قولهم (زلزل) ولا تكتفي بهذا بل تسعى إلى (الأغاني)(طبعة بولاق!) تقلب أوراقه، تستخرج تراجم المغنين وأصحاب الملاهي كإسماعيل بن جامع وإبراهيم ابن ميمون الموصلي - وغيرهما في دواوين العربية وأصولها - فتفلي ألفاظها وتجري عينيك وراء إصبعك على حروف الكلمات عساك تقع على جملة يكون فيها (زلزل) وما يخرج منها وما يتداعى إليها، ولا تكتفي أيضاً فتتناول من بين كتبك أحد فهارس القرآن الكريم - (وهو الحجة العليا في مثل هذه المشكلات) - كما قلت وإن لم تقل، فتجد اللفظ في آيات بينات منه. فتجمع ذلك كله في مقالك - أو ردك على - حشداً بارعاً عظيما تضاهي به عمل (المستشرقين) الثقات الإثبات المتضلعين