المتقنين المجيدين! الذين لا يدعون للحرف مكاناً إلا نبشوه وتقصوه ورموا بعضة فوق بعض (أخذاً بحزم العبادي. . .) الذي عرفت. وهو أسلوب فاسد عندنا لا يعول عليه في الحجة، وإنما هو أسلوب ضروري حسن حين يراد منه المقارنة والتدبر لاستخراج المعاني من الألفاظ وبيان سرها من الحقيقة والمجاز ودقة التصوير للأغراض التي نصبت لها هذه الألفاظ.
والنصوص التي جمعتها وحشدتها ورتبتها تختلف في حقائقها ومجازها في العربية، وأنت لم تشرح حرفاً واحداً منها تبين عن وجه مجازه على العبارة التي وقع عليها، ولو كنت فعلت ذلك أو أحسنته لطويت كل الذي نشرته عليّ وعلى القراء. . . تعلمني به ما غاب عني من (القرآن وهو في صدري، والتفسير والحديث واللغة وهي شواغلي) - كما تقول - وأنا لا أضن عليك، أيها الصديق، بما يجعل لحشدك هذا - الذي رعتنا به حين قذفته علينا - قراناً ونظاماً يسلك فيه ويمضي عليه، ويعرف به من لا يعرف سر البيان وكيف يكون مجازه على طريق اللسان العربي المبين!!
فأصل الحرف (زلزل) من (زلّ الشيء إذا زلق فتحرك فتدأدأ، فمر مراً سريعاً في ذهابه عن مستقره). فلما ضعفت العرب الحرف، فقالوا:(زلزل وتزلزل)، ضاعفوا معنى هذه الحركة، فكان معناها الحركة الشديدة العظيمة والاضطراب والتزعزع، وتكرار هذه الحركة مرة بعد مرة، حتى كأن بعض الشيء يزل عن مكانه، فينقض على بعض ويتساقط ويتقوض. وإذن، فشرط مجاز هذا الحرف أن يكون لشيء يتحرك حركة عظيمة شديدة، فالرجل يتزلزل، والأقدام والأيدي والرؤوس والقلوب وما إليها من أعضاء الإنسان المتحركة حركة ما، وكذلك الحيوان كالإبل جاء راعيها بها (يزلزلها) أي يسوقها سوقاً عنيفاً كأنها تزل معه مرة بعد مرة، والمكيل في مكياله كالبر والشعير كل يتزلزل لأنه يحرك فيتحرك، والدار والأرض والدنيا كلها تتزلزل لأنها تتحرك أو يجوز عليها الحركة فيتهدم بعضها على بعض، والنفس كذلك لأنها تضطرب في حيزوم المحتضر اضطراباً شديداً يتجلى في الكرب الذي يلحقه والضيق الذي يأخذه، فينتزع الأنفاس، ويضطرب القلب بالنبض الشديد، ويزيغ البصر، وتتحرك اليد والرجل في الحشرجة حركة كثيرة شديدة بتردد النفس في نزاع الموت والحياة. ومع ذلك فأنا أدع أشياء كثيرة لا أتناولك منها أيها