أما الأُذن. . . فالإنسان من بين جميع الحيوان هو الذي لا يحرك أذنيه ألبتة، لا في طرب ولا غضب، فما بالك وهي ليست مجرد حركة، وإنما هي حركة شديدة مهدمة لأنها زلزلة. فإذا علمت ذلك وتلقيت وتدبرته وأحكمته ولم يأخذك العناد عليه عرفت أنه لا يمكن أن تقول (أذني زلزلت) لأن الزلزلة تتطلب أصلها المقرر وهو الحركة والانتقال والزلة بعد الزلة من مكان إلى مكان ولو على وجه المبالغة. فدع أذنك من آذان خلق الله الذين صورهم فأحسن صورهم - إن شئت. وأنا لا أصنع في كلامك هذا تعباً فأتلمس لك الخطأ كما تزعم، ولكن انظر يا بشر كيف يتكلم الشعراء عن الآذان وعن الزلزلة؛ يقول بشار في مغنية:
(تُصلى لها آذانُنا) وعُيوننا ... إذا ما التقينا والقلوبُ دَوَاع
إذا قَلدَت أطراَفها العود (زَلزلتْ ... قلوباً) دَعاها للوساوِس داعِ
يروحون من تغريدها وحديثها ... نَشاوَى، وما تسقيهم بصُواع
لعوبٌ بألباب الرجال وإن دنت ... أطيع التُّقى والغي غير مُطاعِ
فانظر صلاة الآذان بالخشوع والإنصات والسجود للصوت، وتأمل زلزلة أوتار العود التي تزلزل القلب بوقعها وتوقيعها. وكيف أتم المعنى بذكر الوساوس وهي قلق واضطراب. . . وأما أنت أيها العزيز
فلا تذهبْ بحلْمك طامياتٌ ... من الخُيلاءِ ليس لهن بابُ
فإنك سوف تحكمُ أو تَناهَى ... إذا ما شبتَ أو شاب الغرابُ