زال تجزأ الحطب وتجفف وتهافت لمكان عملها فيه). (وإن من ينكر أن في الحجر ناراً كامنة، كمن ينكر الزيت في الزيتون، والدهن في السمسم، والدم في الانسان، ويقول بحدوث ذلك عند رؤية الانسان لها).
بل تتوسع هذه الفرقة في تطبيق نظريتها، فعندها أن حرارة الأيام ليست من الشمس، وإنما النيران الكامنة في العالم تظهر بتقوية الشمس لها وتغليبها على مانعها، بل تطفر من كمون الحرارة إلى كمون السم، فنتزعم أن في كل بدن سماً كامناً، له مانع يمنعه من ظهور أعراضه - وليس سم الأفعى الذي يتلف البدن - لأنه ليس يقتل متى مازج بدناً لا سم فيه؛ ولكن الذي يقتل السم الكامن في الأبدان، متى أعانه سم الأفعى وقواه على مانعه.
البراهين على كمون النار:
لو كانت العيدان كلها لا نار فيها، ما كان ظهورها في بعض العيدان أسرع منها في البعض الأخر؛ لكنها كانت كذلك - لأن مانعها أضعف في بعضها عن بعض، فيكون ظهور نيرانه أسرع، فالمرخ والعفار أفضل العيدان، كما أن الحجارة تختلف في الأسرار، وأكثرها ناراً حجر المرو - وقد تحتك عيدان الأشجار في الغياض فتلتهب النار - وقد تقدح النار من الساج إذا اختلط بعضه ببعض في السفينة عند تحريك الأمواج لها، ولذلك أعدوا الرجال يصبون عليه الماء صباً، ولم صار لبعض العيدان جمر باق، وبعضها له جمر سريع الانحلال، وبعضها لا جمر له؟ ولم صار البردي مع هشاشته ويبسه ورخاوته لا تعمل فيه النيران؟ فهل اختلفت تلك الا على قدر ما يكون فيها من النار وعلى قدر قوة الموانع وضعفها؟
ولا يسكت هذا الفريق دون أن يؤيد كلامه بآي الكتاب.
قال تعالى (أفرأيتم االنار التي تورون، أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) تقول كيف قال (شجرتها) وليس في تلك الشجرة شيء وجوفها وجوف الطلق في ذلك سواء، وقدرة الله على أن يخلق النار عند مس الطلق كقدرته على أن يخلقها عند حك العود، وهل يريد سبحانه في هذا الموضع الا التعجيز من اجتماع الماء والنار؟ ويقول تعالى:(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فاذا أنتم منه توقدون) فهل تجد لذكر الخضرة الدالة على الرطوبة معنى، الا ذلك التعجيز؟