تنكر هذه الفرقة أن النار كامنة في العود، وكيف تكمن فيه وهي أعظم منه؟ ولا يجوز أن يكمن الكبير في الصغير، ولكن العود إذا احتك بالعود حمى العودان، وحمى من الهواء المحيط بهما الجزء الذي بينهما، ثم الذي يلي ذلك منهما، فاذا احتدم رق ثم جف ثم التهب، فانما النار هواء استحال.
والهواء في أصل جوهره جسم رقيق خوار، جيد القبول، سريع الأنقلاب، فالنار التي نراها اكثر من الحطف إنما هي ذلك الهواء المستحيل، وانطفاءها بطلان تلك الأعراض الحادثة للهواء. ينقلب الهواء إلى نار، لأن طبعه قريب منها، فالنار يابسة حارة، والهواء رطب حار، والماء رطب بارد. فالهواء وسط بين النار والماء يجمع بينهما، وقد ينقلب كل منها إلى ما يقاربه. فيجوز ان ينقلب الهواء ناراً، وينقلب الهواء ماء، ثم ينقلب الماء أرضاً، ولابد في الانقلاب من الترتيب والتدريج.
البراهين على انكار الكمون:
نرى براهين هذه الفئة سلبية، فهي تنكر الكمون باعتراضاتها على النظرية، وإن كانت لا تتقدم بحجج تؤيد الاستحالة، فترى المناظرة تنتقل إلى تأييد الكمون وإنكاره. تقول هذه في الانكار.
ان هذا الحر الذي رأيناه قد ظهر من الحطب، ولو كان كامناً فيه لكنا وجدناه بالمس كالجمر المتوقد، فان قلتم كان يمنعه برد مكافئ كامن مثله - فأين ذلك البرد؟
لا يخلو الحال من أمرين: إما بقى بعد الأحراق، وإما خرج عند الأحراق. فان كان باقياً في الرماد استلزم ان يكون الرماد أبرد من الثلج، وإن كان خرج مع الحر، وأخذ كل وجهته - فقد كان ينبغي له أن يخمد ويهلك مالاقاه، كما أحرق الحر وأذاب كل مالاقاه ولما وجدنا جميع أقام هذا الباب لم تتحقق، علمنا أن النار لم تكن كامنة في الحطب.
ونشعر بقيمة هذا الاعتراض، إذا لاحظنا قول الفريق الأول في أن النار تنفي المانع الذي هو البرد، ولم يقل تفنيه وتبطله - إذن فالبرد موجود عند الاحراق، يقع عليه أحد الفروض السابقة.