للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ماذا عليه أن يبيع المجد لطلابه بالمال؟. . . أنه يعطيهم مما يملك لينتفع منهم بما لا يملك. وماذا يجدي عليه المجد والشهرة وذيوع الصيت وأنه لمحتاج إلى الرغيف؟

ليت شعري، أي الرجلين أكثر جدوى على صاحبه؟ ذلك الذي يعطي القرش أم هذا الذي يأخذه؟

وخيل إلى الفتى أنه عرف الجواب، فطاب نفسه وعاوده الشعور بالرضا والاطمئنان!

ونام الفتى في تلك الليلة ملء عينيه وملء بطنه. . . لا يعنيه من أمر الحياة شيء. . .!

وسهر (الأديب الكبير) ليلته يستظهر الخطبة المعدة ليلقيها مساء غد في حفلة تكريمه. . .!

وأشرق الصبح، فنهض الفتى من فراشه ولبس بذلته وخرج لبعض شأنه، وعاج على ندى في الطريق يتناول فطوره، فطاب له المجلس. . .

وجلس إلى جانب الباب يتبع عينيه كل غادية ورائحة في الطريق، وتسرحت خواطره فنوناً من مشهد قريب إلى معنى بعيد، وانفتل من دنياه يجري في عنان الأوهام. . . فما صحا من أحلامه إلا على صوت النادل يمد إليه يده بورقة الحساب، وعاد إلى الحقيقة، ولكن بعد مشوار طويل في وادي المنى. . .

ودفع ما عليه ونهض، ليعود إلى غرفته فيغلق بابها عليه ويجلس إلى مكتبه يستنزل الوحي ويؤلف أشتات المعنى، وانتهى مما كتب والشمس في صفرة الأصيل: فغادر غرفته عجلان ليشهد حفلة التكريم!

. . . وكانت الردهة الفسيحة ليس فيها موقع لقدم، وقد نصت المقاعد صفوفاً صفوفاً فما بينها فرجة تتسع لعابر؛ واختلطت أصوات المجتمعين فما يبين صوت من صوت، وسكنت الأصوات فجأة حين بدت طلعة الأديب الكبير، وتطاولت إليه الأعناق تنظر؛ ومضى الأديب الكبير في طريقه ثابت الخطو وهو يرفع يديه إلى رأسه، حتى انتهى إلى مقعده في صدر المكان والعيون ناظرة إليه. . .

ووجد الفتى مكاناً في أدنى الردهة إلى الباب؛ فجلس وإنه ليشعر مما به كأنه غريب في هذا المكان!

وتعاقب الخطباء خطيباً بعد خطيب وشاعراً بعد شاعر، يمدحون الأديب الكبير ويعددون أياديه، وهو مطرق الرأس من خجل، لا يزيد على أن يبتسم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>