العقول، وللعقول شهوات أعنف وأخطر من شهوات الأحاسيس، وتثقيف الشهوات العقلية يصل بنا إلى منازل الحكماء، ويطمعنا في الخلود.
ليتني أستطيع مصارحتك بكل ما أريد في خلق الحيوية الأدبية والفنية!
وكيف أستطيع وأنت كثير التلوم والتعتب، ولا يصل إليك الرأي الصريح إلا مشوباً بتهمة التحامل عليك؟
أنت على كل حال من ذخائرنا الأدبية، وأنا أقبلك على علاتك كما تقبلني على علاتي.
فهل يكون من الفضول أن أصارحك بأنك لا تقبل على حياة الوجدان إلا وأنت خائف، مع انك قوي العبارة في الإفصاح عن وساوس نفسك، ونوازع قلبك؟
وما خوفك وقد استقام لك أمر مصيرك الأدبي وصار اسمك من أظهر الأسماء؟
ما خوفك من الاعتراف بأن عاطفة الحب تستحق التشريح؟
وما الذي يدعوك إلى الاحتراس حين أقترح عليك تأليف كتاب عما أحس شعراء العرب من النوازع الوجدانية؟
أتخاف أهل الجمود؟
أطمئن، يا سيدي الدكتور، فهم في شغل عنا بمصايرهم الدنيوية، ولن يفرغوا لنا إلا بعد أن نفرغ من إعلام الناس بما نريد من شرح أوهام العقول والقلوب.
أما بعد فأنا أعلن عتبي عليك، لأنك ابتسمت ابتسامة فيها طيفٌ من الاعتراض على اهتمامي بتشريح عاطفة الحب، وأصارحك بأن هذا مذهبٌ أدبيٌ سأحرص عليه ما دمت أملك القدرة على تشريح العواطف والأحاسيس.
فافتح قلبك، يا سيدي الدكتور، لوحي الحياة والحب، واعلم أن الابتسام الصادق هو أثمن ما يملك الرجال.
وقد شاءت المقادير أن أستطيع مقابلتك في كل يوم بعد أن صرت معنا في وزارة المعارف، وساحولك إلى حزبنا، حزب الأخوة الأدبية الذي يرى أقطار العربية جسماً واحداً إذا شكا منه عضو أسعدته سائر الأعضاء بالسهر والأنين.
وستريك الأيام بعد قليل أن الميزان الذي كنت احتكمت إليه في تقدير العداوات والصداقات لم يكن أدق الموازين. . . والله المسؤول أن يديم عليك عافية القلب وشباب الروح.