كله إلى الله فلم نبحث عن قوى وأسباب أُخرى سواء؟ والأجدر بنا أن نرد كل شيء إليه سواء أكان من الظواهر الطبيعية أو الأعمال الإنسانية. وهكذا رأى مالبرانش وباركلي أن يردا القوى الظاهرية كلها إلى الله، وقررا أن ليس ثمة قوة في نظرهما غير تلك القوة الوحيدة.
هذا هو شأن القوة فيما يتعلق بالظواهر الطبيعية، وليس شأنها بأقل خطراً فيما يتعلق بالأحداث الإنسانية، فقد دالت بسببها دول وقامت أُخرى، وذل جبابرة وعز آخرون. وللقوة في المجتمع مظاهر عدة: فهناك القوة المادية الجسمية، والى جانبها القوة الصناعية والإنتاجية، ثم قوة المال والفكر والعبقرية، وأخيراً قوة العزيمة الماضية وإرادة الشعوب التي بدلت صفات التاريخ. ولا نظننا في حاجة إلى نلاحظ انه إذا كانت قوة الأفراد والطغاة هي التي سادت العالم بالأمس فإن إرادة الشعوب حلت محلها، بل كانت أحياناً أشد أثراً وأعظم إنتاجاً. ومن هذه القوة الشعبية تولدت الحركات الدستورية وبواسطتها تأيدت النهضات الاستقلالية، وعنها صدرت قوة الطوائف والنقابات والأحزاب. وإذا ما تبتعنا الفلاسفة السياسيين في مراحل التاريخ المختلفة، وجدنا أنهم إنما حاولوا أن ينظموا القوى المتباينة أو عولوا على قوة دون سواها. فأفلاطون قديماً أخذ نفسه بالتوفيق بين قوى المجتمع المتباينة: بين حراس المدينة من جانب، والمنتجين من صناع وزراع من جانب أخر، والحكام والقضاة من جانب ثالث؛ فأراد التوفيق في اختصار بين الشجاعة والمنفعة الذاتية والعقل. ومكيافيلي في عصر النهضة أو هوبس في أوائل التاريخ الحديث، ونيتشه بين المعاصرين إنما ناصروا قوة الفرد وأيدوا الحكومة المستبدة ظناً منهم أنها الوسيلة الناجعة لحكم الجماهير. أما لوك وفولتير وروسو، فقد اعتدوا بقوة الشعب كل الاعتداء، ووضعوا دعائم النظم الدستورية والنيابية الحديثة. والى جانب هؤلاء وهؤلاء نجد جورج واشنطون ومازيني وسعد زغلول على راس النهضات الاستقلالية، كما نجد كارل ماركس يصور قوة اليد العاملة في أوضح صورها، ويعلن حقوقها إزاء أصحاب رؤوس الأموال.
في هذه النهضات على اختلافها والثورات على تنوعها ما يشهد بما للقوة من أثر في حياة المجتمع، بل نستطيع أن نقول أن المجتمع الإنساني مجموعة قوى متعددة، متعاونة أحياناً ومتعارضة أحياناً أُخرى. وسعادة الأمة في أن توجه هذه القوى في وجهاتها الملائمة، وان