وكانت هذه المرائي الغريبة التي يسودها التنافر خليقة بأن يتطير منها، ولكنه طرد عن نفسه طوارق السوء، وأوحى لها أن كل أولئك من إمارات الخير والبركة، فما عتم أن انقلب الشؤم في عينيه يمناً، واستحال الليل نهاراً! قال:
بدا يوم رحنا عامدين لأرضها ... سنيحٌ، فقال القوم مرّ سنيحُ
فهاب رجال منهمو وتقاعسوا ... فقلت لهم جاري إليّ ربيح
عُقاب بأعقاب من الدار بعد ما ... جرت نية تسلى المحب طروح
وقالوا حمامات فَحُمّ لقاؤها ... وطلح، فزيرت والمطيُّ طليح
وقال صاحبي هدهد فوق بانة ... هدى وبيان بالنجاح يلوح
وقالوا: دَمٌ، دامت مواثيقُ بيننا ... ودام لنا حُلوُ الصفاء صريح
ويمتد بنا القول إذا وقفنا عند كل شاهد وعمدنا لتحليله، فنكتفي لضيق المقام بإيراد الأمثلة وفيها غنية عن البيان.
دخل الحجاج الكوفة متوجهاً إلى عبد الملك فصعد المنبر، فأنكسر تحت قدمه لوح، ففطن إلى أن الكوفيين قد تطيروا له بذلك، فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله وقال: شاهت الوجوه وتبت الأيدي! وبؤتم بغضب الله! أئن أنكسر عود جذعٍ ضعيف تحت قدم أسد شديد تفاءلتم بالشؤم؟! ألا وإني على أعداء الله تعالى لأنكد من الغراب ألابقع، وأشأم من يوم نحس مستمر!
وخطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان، فسقط القضيب من يده، فتطير له عدوه بالشر، واغتم صديقه، فعرف قتيبة ذلك فقال: ليس الأمر على ما ظن العدو وخاف الصديق، ولكن كما قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافرُ
وكان الوزير أبو نصر الكندري يتولى في أول أمره حجب الناس، وكان الباخرزي رفيقه في الدرس فقال مداعباً إياه:
إقبل من كندر مُسَيْخرةٌ ... للنحس في وجهه علاماتُ
يحضر دُورَ الأمير وهو فتىً ... موضع أمثاله الخَرَاباتُ
ثم ارتقت الحال بالكندري حتى صار وزيراً محكماً، فورد عليه الباخرزي وهو في صدر