للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوزارة ببغداد، فلما رآه قال له: أنت صاحب (أقبل من كندر مسيخرة. . .) قال: نعم. فقال الكندري: مرحباً وأهلاً! إني تفاءلت بقولك (أقبل. . .) ثم خلع عليه قبل أن ينشده مديحه فيه. ومن الأمثلة الشعرية قول نور الدين المايورقي من شعراء نفح الطيب:

وذهيفٍ راق العيون انثناؤه ... بقد كريّان من ألبان مُورق

كتبتُ إليه: هل تجود بزورة؟ ... فوقع (لا) خوفَ الرقيب المصّدق

فأيقنت من (لا) بالعناق تفاؤلاً ... كما اعتنقت (لا) ثم لم تتفرق

ويقول عبد الرحمن من شعراء اليتيمة:

إذا دهاك الوداع فاصبرْ ... ولا يهولنّك البعادُ

وانتظر العوْد عن قريب ... فإن قلب الوداع (عادوا)

ومن أروع الشعر في ذلك: ما كتب به أبو الفضل الميكالي إلى قوم من أهل (مَرو) انخلعوا من طاعته وحلوا لواءه وتألفوا فرقتين تعيثان في الأرض فساداً! قال:

يا راكباً أضحى يخبُّ بِعنسِه ... ليؤمّ مَرْ وعلى الطريق المهْيعِ

أبلغْ بها قوماً أثاروا فتنةً ... ظلَّت لها الأكبادُ رهن تَقطُّع

إذ قدَّموا ظلماً على سلطانهم ... بالغدر والخلع الذميم المفظِع

وبحلِّ عقد لوائِه وإباحةٍ ... لجنابه وحريمه المتمنع

أبلغهمُ أني اتخذتُ لفعلهم ... فألاً، له في القوم أسوأ موقع

أما اللواء وحلُّه فمخِّبرٌ ... عن حَلَّ عقدٍ بينهم مستجمع

والخلعُ يخبر أن ستُخلع عنهم الْ ... أرواح بالقتل الأشد الأشنع

والغدر يُنبئ أن تغادر في الورى ... أشلاؤهم لنسوره والأضُبع

والفِرْقتان فشاهدٌ معناهما ... بتفرُّقٍ لجميعهم وتصدُّع

ويلاحظ في هذه الأمثلة أنها من نوع الإيحاء الذاتي (إيحاء الإنسان إلى نفسه) وسنتبع هذا المقال بطائفة من غرر الإيحاء الخارجي، فيها قرة العيون وشفاء الصدور والله المستعان!

علي الجندي

<<  <  ج:
ص:  >  >>