وإني لا أوافق على أن العباسيين كانوا ينظرون إلى لقب السفاح بمعنى السفاك للدم مثل نظر الأستاذ العبادي والأستاذ محمود شاكر، لأنهم كانوا يريدون منه السفاك لدماء أعدائهم، وهذا عندهم لقب مدح لا ذم، وقد تمدح به أبو العباس في أول خطبة له فقال:(فأنا السفاح المبيح، والثائر المنيح) وفي رواية الطبري (والثائر المبير). ولا شك انه إذا أمكننا أن نحمل السفاح المبيح على معنى سفح المال وإباحته، فإنه لا يمكننا أن نحمل الثائر المنيح أو المبير إلا على معنى إهلاك الأعداء وسفح دمائهم وإناحة أهلهم عليهم. ولا مانع بعد هذا عندي في أن يكون في السفاح معنى سفح الدم وسفح المال، ورأيي في الحديث الذي جاء فيه ذكر السفاح انه من الأحاديث الضعيفة، والظاهر أنه لم يظهر إلا بعد انقضاء عهد السفاح، وأنه كان يقصد به التقرب إلى العباسيين، كالحديث الذي روى عن ابن عباس أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لأدال الله من بني أمية، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي.
وأما ما ذكره الأستاذ محمود من أن السفاح بمعنى سفح الدم مجاز فينا فيه ما ذكره الزمخشري في أساس البلاغة، وهو الكتاب الذي يرجع إليه في تمييز المعاني الحقيقية والمجازية، فقد ذكر السفاح بمعنى السفاك للدماء في الاستعمال الحقيقي لمادة س ف ح، ولم يذكر فيه ولا في الاستعمال المجازي معنى سفح المال، وهذا يدل على أن استعماله في الأول أقرب من استعماله الثاني، ولنقف الآن عند هذا الحد، لنتم بحث ذلك الموضوع بعد