بين شرحبيل وسلمة أبني الحارث بن عمرو ملك بكر بن وائل، فإنهما اختلفا بعد موت أبيهما على الملك، وتواعدا الكلاب، فأقبل شرحبيل في ضبة والرباب كلها وبكر بن وائل، وأقبل سلمة في تغلب والنمر وبهراء ومن تبعه من بني مالك بن حنظلة، وعليهم سفيان بن مجاشع، وعلي تغلب السفاح بن خالد، وإنما قيل له السفاح لأنه سفح أوعية قومه وقال لهم: ابتدروا إلى ماء الكلاب فسبقوا ونزلوا عليه، وقد قتل في ذلك اليوم شرحبيل بن الحارث وجيء برأسه إلى أخيه سلمة، فلما رآه دمعت عيناه، قال:
ألا أبلغ أبا حَنَشٍ رسولاً ... فمالك لا تجيء إلى الثوابِ
تَعَلمْ أن خير الناس طُراَّ ... قتيلٌ بين أحجار الكُلابِ
تداعت حولهُ جُشَمُ بن بكر ... وأسلمه جَعَاسيسُ الرِّبابِ
وكان أبو حنش هو الذي قتله، ثم بعث برأسه إلى سلمة مع عسيف له، ولم يحضر مخافة منه، فقال سلمة لعسيفه: أنت قتلته؟ قال: لا، ولكنه قتله أبو حنش، فقال: إنما أدفع الثواب إلى قاتله، وكان قد جعل لمن يأتيه برأس أخيه مائة من الإبل.
وقد رد الأستاذ أحمد أمين على استبعاد أن يكون أبو العباس سفاحاً بمعنى سفاح ما كان له من تلك الصفات الكريمة، بأن هذا لا شيء فيه، لأن كثيراً من أبطال الجاهلية كان سفاكاً للدماء، ومع هذا كان يتحلى بمثل تلك الصفات التي كان يتحلى بها أبو العباس، كعنترة العبسي وغيره. ورد عليه الأستاذ محمود محمد شاكر بأن الرقة والجمال ولين الخلق تخفي وراءها أحياناً قسوة لا يدانيها قسوة، كالذي يكون في النساء، فإنهن قد عرفن بين الناس بالرقة، وهن أغلظ أكباداً من الإبل. ومع هذا يرى الأستاذ محمود أن السفاح لقب أبي العباس من سفح المال لا من سفح الدم، لأن أبا العباس كان يسمى عبد الله الأصغر، وكان أخوه أبو جعفر يسمى عبد الله الأكبر، وأبو جعفر قد لقبه أبوه فيما يعلم الأستاذ محمود بالمنصور، فلا غرو أن يكون أبو العباس قد لقبه أبوه كما لقب أخاه، ولا يعقل أن يلقب أحد ولده بمذمة سفح الدماء وهو ينصبه للناس خليفة، وقد روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:(يخرج منا رجل في انقطاع من الزمن وظهور من الفتن يقال له السفاح، يكون عطاؤه للمال حثياً) وأئمة الحديث لا يصرفون هذا الاسم إلى أبي العباس، ولكن بني العباس استخدموا مثل هذا في دعوتهم. فالسفاح إذن ليس من سفح الدم، وهو