فمن هنا يبين مقدار الخطر الذي تنذر به هذه الفترة الأولى من حياة الإنسان؛ ونحن لا نستطيع أن نحدد عمر هذه الفترة، ولكنها تستمر على الأقل إلى نهاية روق الشباب ما بين العشرين والثلاثين، بل ربما جاوزت إلى نهاية العمر إذا ما انتكست الحياة في الحي وصار إلى حيوانية آكلة شاربة غير مفكرة!
فالشاب حين يخرج إلى الحياة العقلية والفكرية تستهويه أسماء المفكرين من الكتاب والشعراء والفلاسفة فتستهيمه وتذهب بهواه وعقله إلى الأخذ عنهم والاقتداء بهم والسير على مناهجهم، ولا يزال كذلك في تحصيل وجمع وتأثر واتباع حتى يتكون له قوام عقلي يجرئه على الاستقلال بفكره ورأيه ومذهبه. فالقدوة والأسوة هي مادة الشباب التي يتم بها تكوينه العقلي على امتداد الزمن وكثرة التحصيل وطول الدربة، فإذا كان ذلك كذلك فالكتاب والشعراء والفلاسفة وأصحاب الرأي وكل من يعرض نتاجه العقلي للشباب، ويكون عرضة الاقتداء والتأسي والتأثر - يحملون تبعة تكوين العقول الشابة التي ترث علومهم وأفكارهم ثم تستقل بها وبإنتاجها الخاص، وكذلك يكون هذا الإنتاج الخاص ضارباً بعرق ونسب إلى الأصل الأول الذي استمد منه واتبعه وتلقى عنه.
هذا. . .، فتبعة الكتاب والأدباء أمانة قد تقلدوها وحملوها، ثم ارتزقوا منها أيضاً وأكلوا بها وعاشوا في الدنيا الحاضرة بأسبابها، فهم على اثنتين: على أمانة قد فرض عليهم أن يؤدوها إلى من يخلفهم من الشباب الذي يتبعهم ويتأثر آدابهم، وعلى شكر للمعونة التي يقدمها لهم الجيل الشاب الذي يبذل من ماله ليشتري منهم ما يكتبون وما يؤلفون وما يقدمون للتاريخ من آثارهم ليكسبوا به خلود الاسم وبقاء الذكر.
وشبابنا اليوم قد تهدمت عليه الآراء، وتقسمته المدنية الأوربية الطاغية، وهو لا يجد عصاماً يعصمه من التدهور في كل هوة تنخسف بين يديه وهو مقبل عليها بشبابه ونشاطه واندفاعه وعنفوان قوته في الشوط الذي يجريه من أشواط حياته. والمدارس في بلادنا لا تكاد تعطيه من الرأي أو من الفن أو من الأدب ما يبل أدنى ظمأه إلى شيء من هذه الأشياء؛ وإذن فليس يجد أمامه إلا المجلات والصحف والكتب التي يقدمها له أصحاب الشهرة من كتابه الذين ترفع أسماؤهم في كل خاطرة وعند كل نظرة. وهو لا يني